بوصول المفاوضات الأمريكية الإيرانية إلى منعطفٍ حاسم، تُراجع إسرائيل خياراتها وتُنقّحها من جديد وتدرس الطريقة الأنجع للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني وذلك في ضوء مُحدّدين مُستجدّين وهما انهيار الشبكة الدفاعيّة التي غزلتها طهران في منطقة الهلال الخصيب خلال العقدين الماضيين، والانفتاح الذي أبداه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصّل إلى اتفاق مع إيران بشأن المسألة النوويّة والعقوبات. وقد نشر معهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب ورقة سياساتيّة تُعالج هذه المسألة بالذات، حيث تتطرّق الورقة إلى السيناريوهات المختلفة المطروحة أمام المؤسسة السياسيّة والعسكريّة في إسرائيل للتعامل مع هذا الملف، والمُمكنات المُتاحة والصعوبات الكامنة في كلّ سيناريو من هذه السيناريوهات، لتنتهي بتقديم مجموعة من التوصيات لصنّاع القرار في تل أبيب. أعدّ الورقة المدير التنفيذي للمعهد، والذي سبق له أن شغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، وباحث آخر هو رئيس برنامج "إيران والمحور الشيعي" في المعهد. وقد ارتأيتُ ترجمة الورقة لأهميتها في توضيح بعض جوانب التفكير الإسرائيلي إزاء هذه المسألة الاستراتيجية الحساسة.

مُلخص:

المحادثات التي بدأت في أبريل 2025 بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف – بوساطة عُمانية – تدفع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل نحو لحظات حاسمة تتعلق بمستقبل البرنامج النووي الإيراني. ستحدد نتائج هذه المفاوضات إلى حد كبير ما إذا كان الاتجاه سيكون نحو تسوية سياسية ودبلوماسية للملف النووي، أم نحو ضربة عسكرية – إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة – تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. في هذه المرحلة، من الواضح أن القيادة الإيرانية، برئاسة المرشد الأعلى علي خامنئي، والإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تفضلان الحل الدبلوماسي على المواجهة العسكرية، التي يصعب التنبؤ بنتائجها وتداعياتها.

لكن، وفي حال تعذر التوصل إلى اتفاق يُغلق الطريق أمام إيران نحو امتلاك السلاح النووي، ومع اتخاذ قرار باللجوء إلى الخيار العسكري، يتوجب على إسرائيل تنسيق هذه الخطوة مع الولايات المتحدة – حتى إن لم يضمن ذلك مشاركة أميركية نشطة في تنفيذ الضربة. فالتنسيق والتعاون مع واشنطن ضروريان لتمكين إسرائيل من التصدي لأي رد إيراني، والحفاظ على المكاسب التي قد تحققها الضربة، وضمان دعم أميركي في الجهود الهادفة إلى منع إعادة تأهيل البرنامج النووي الإيراني، سواء عبر وسائل عسكرية مباشرة، أو عمليات سرية، أو إجراءات دبلوماسية.

في جميع الأحوال، من الضروري التأكيد على أن المطلوب هو حملة شاملة ضد إيران، لا مجرد حملة تقتصر على برنامجها النووي. ضربة مشتركة أميركية – إسرائيلية قد تشكل الحل الأمثل لهذا التحدي، شرط أن تكون جزءا من حملة أوسع ضد الجمهورية الإسلامية، ويجب التخطيط لها على هذا الأساس. وفي ختام هذه الحملة، لا بد من قيادة تحرك دبلوماسي مكمّل يضمن تحقيق جميع الأهداف الاستراتيجية في مواجهة إيران، بما في ذلك إغلاق الطريق أمامها نحو السلاح النووي، وتفكيك المحور الإيراني، وفرض قيود على مشروعها الصاروخي.

الترجمة:

المحادثات التي بدأت في أبريل 2025 بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف -بوساطة عُمانيّة- تدفع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل نحو لحظات حاسمة تتعلق بمستقبل البرنامج النووي الإيراني. نتائج هذه المفاوضات ستحدد إلى حد كبير ما إذا كان المسار المقبل سيفضي إلى تسوية سياسية بشأن الملف النووي، أم إلى ضربة عسكرية -سواء كانت إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة- تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. في هذه المرحلة، يتضح أن القيادة الإيرانية، برئاسة المرشد الأعلى علي خامنئي، والإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تفضلان الحل السياسي والدبلوماسي على المواجهة العسكرية، لما تحمله الأخيرة من نتائج وعواقب يصعب التنبؤ بها. وقد شدد الرئيس ترامب، رغم أنه لم يستبعد احتمال توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، في مناسبات عدة على تفضيله مواصلة النهج الدبلوماسي والتوصل إلى تسوية سياسية مع طهران، شرط ألا يُسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية. إضافة إلى ذلك، فإن تجدد المفاوضات بين طهران وواشنطن والتقدم المسجل بعد الجولات الأولى من المحادثات يشير إلى استعداد مبدئي من الجانبين لإظهار مرونة في المواقف.

اضطر المرشد الإيراني خامنئي إلى التراجع عن الموقف الذي أعلنه خلال الأشهر الماضية: "لا حرب ولا تفاوض". يمكن إرجاع هذا التغير في موقف خامنئي -الذي كان يعارض حتى وقت قريب التفاوض مع الولايات المتحدة ويؤكد عبثية المحادثات- بشكل رئيسي إلى التهديد العسكري الجدي الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية. فقد أدرك خامنئي أن إيران عرضة لهجوم عسكري، وأن احتمال تنفيذ مثل هذا الهجوم -الذي كان يُنظر إليه سابقا على أنه مُستبعد- قد ازداد بشكل كبير بسبب عدم قابلية الرئيس ترامب للتوقع، ولأن الضوابط الأميركية على التحرك الإسرائيلي أصبحت موضع شك. التهديدات المتصاعدة من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، بمن فيهم الرئيس ترامب، بشأن الخيار العسكري ضد إيران، والتعزيز الكبير للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، ونقل الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، والتدريبات العسكرية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، والحملة العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتحجيم قدرات حزب الله -الذي يشكل ذراع إيران الردعية والانتقامية ضد إسرائيل- كل ذلك زاد من مخاوف طهران من احتمال تنفيذ هجوم عسكري. يأتي هذا في وقت تواجه فيه إيران تحديات أمنية كبيرة بعد الضربة الإسرائيلية في 26 أكتوبر 2024، التي تسببت في أضرار واسعة لنظم الدفاع الجوي الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ الباليستية. إضافة إلى ذلك، فإن الضعف غير المسبوق في محور إيران الإقليمي -نتيجة الضربات التي تلقاها وكلاء طهران وحلفاؤها في لبنان والساحة الفلسطينية واليمن- وانهيار نظام الأسد في سوريا، زاد من هشاشة الموقف الاستراتيجي الإيراني.

في المقابل، فإن بعض التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم ويتكوف، والتقدم الذي أُحرز في المفاوضات، يعكس استعدادا لدى إدارة ترامب للاعتراف بحق إيران في الحفاظ على قدرات تخصيب اليورانيوم، والاستمرار في التخصيب عند مستوى منخفض يبلغ 3.67 بالمئة (كما هو منصوص عليه في اتفاق 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة)، مقابل فرض قيود كبيرة على البرنامج النووي تمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية -حتى دون تفكيك كامل للبنية التحتية النووية، على غرار النموذج الليبي. علاوة على ذلك، فإن أغلب التصريحات الأميركية تركز على البرنامج النووي الإيراني دون التطرق إلى تحديات أخرى تمثلها طهران، مثل دعمها للإرهاب، أو وكلائها الإقليميين، أو برنامجها الصاروخي، وهي ملفات ترفض إيران التفاوض بشأنها بشكل قاطع.

ورغم التفضيل الأساسي لدى كل من طهران وواشنطن للتوصل إلى تسوية دبلوماسية بدل الخيار العسكري، فإن المفاوضات قد تفشل خلال فترة قصيرة نسبيا بسبب انعدام الثقة العميق بين الجانبين، وضيق الوقت المتاح للتوصل إلى اتفاق، والفجوات الكبيرة التي ما زالت قائمة بشأن قضايا خلافية متعددة – سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو بنظام العقوبات المفروضة على إيران. ضيق الوقت يعود إلى عدد من القيود الأساسية: أولا، الإنذار النهائي البالغ 60 يوما الذي حدده الرئيس ترامب لإنهاء المفاوضات. وحتى لو بدأ العد التنازلي مع اللقاء الأول بين الوفدين الإيراني والأميركي في عمان (في 12 أبريل 2025)، وحتى إذا قرر الرئيس ترامب تمديد المهلة، يبقى من المشكوك فيه أن توافق الإدارة الأميركية على تمديد المحادثات بشكل كبير، خاصة في ظل استمرار التقدم النووي الإيراني. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الفصلي بشأن البرنامج النووي الإيراني في يونيو 2025، ويُنتظر أن يكون تقريرا شاملا وناقدا بشدة لإيران، نظرا لاستمرارها في انتهاك اتفاق 2015 وتعزيزها لمكانتها عند العتبة النووية. خلال زيارته إلى طهران في منتصف أبريل 2025، حذر المدير العام للوكالة رافائيل غروسي من أن إيران لم تعد بعيدة عن امتلاك سلاح نووي.

إضافة إلى ذلك، فإن آلية "سناب باك" -التي تتيح إعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران بموجب قرار مجلس الأمن 2231- ستنتهي في 18 أكتوبر 2025. تفعيل هذه الآلية، الذي لا يتطلب موافقة روسيا أو الصين، يحتاج إلى تحضير من الدول الموقعة قبل ذلك بثلاثة أشهر على الأقل، أي بحلول يوليو 2025 كحد أقصى. إعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن وتفعيل آلية "سناب باك" قد يدفعان إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما سيؤدي إلى تصعيد إضافي. أما تأجيل انتهاء العمل بهذه الآلية، فسيتطلب صدور قرار جديد من مجلس الأمن، وهو أمر سيعتمد، في الحد الأدنى، على إحراز تقدم كبير في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.

في ضوء هذه المعطيات، ستتحدد نتائج محادثات طهران واشنطن خلال الأسابيع المقبلة سواء كانت ستفضي إلى اختراق دبلوماسي، من خلال اتفاق نووي جديد أو اتفاق مرحلي، أو ستتجه نحو تصعيد عسكري مع إيران.

الغاية الاستراتيجية

لطالما كان منع إيران من الحصول على سلاح نووي هو الهدف المركزي للحفاظ على أمن إسرائيل القومي وتعزيزه، ولا يزال كذلك. لا يمكن لإسرائيل أن تقبل بوجود سلاح نووي في يد نظام متشدد يلتزم بتدميرها. الخيارات المتاحة أمام إسرائيل لمنع إيران من امتلاك هذا السلاح تتمثل في اتفاق نووي، أو ضربة عسكرية، أو تغيير النظام. ومن أجل تعظيم المكاسب والتعامل مع المخاطر المرتبطة بهذه الخيارات الثلاثة (وسيتم تفصيلها لاحقا)، هناك حاجة إلى صياغة غاية استراتيجية جديدة ومتكاملة يمكن تلخيصها كما يلي: استخدام القوة العسكرية -سواء بالتهديد أو بالفعل- بهدف دفع إيران إلى توقيع اتفاق يمنعها من تطوير سلاح نووي، مع الحفاظ على قدرة المجتمع الدولي وإسرائيل على مواصلة حملة عسكرية وسياسية واقتصادية شاملة ضد إيران، تهدف إلى إضعاف النظام الإسلامي، والحد من أنشطته الإقليمية الضارة، وتقليص قدراته الصاروخية.

لتحقيق هذه الغاية المعقدة، يمكن اتباع ثلاثة مسارات ممكنة، تجمع بين أدوات الدبلوماسية والقوة العسكرية والضغط على النظام:

  • مسار يركز على تسوية سياسية
  • مسار يركز على الخيار العسكري (عملية إسرائيلية أو بقيادة أميركية)
  • مسار مزدوج: ضربة تحذيرية تهدف إلى الوصول لاتفاق

سيناريو التسوية السياسية

الاتفاق النووي الأفضل من اتفاق عام 2015 سيتطلب توقيع المرشد الإيراني عليه بشروط أكثر صرامة، وتحت إدارة أميركية يقودها رئيس سبق أن انسحب من الاتفاق الأصلي وأعاد فرض العقوبات. من أجل دفع إيران إلى قبول مثل هذا الاتفاق، لا بد من وجود تهديد عسكري جدي، يقنع القيادة بأن برنامجها النووي مهدد، وأن بقاء النظام نفسه قد يكون في خطر. وبالنظر إلى نافذة الفرص الحالية: الدعم الأميركي لإسرائيل، وتراجع موقع إيران، وإمكانية تنفيذ ضربة دون الخوف من تصعيد إقليمي كبير، خاصة بعد تحييد تهديد حزب الله، فإن خيار التهديد الجدي يمكن أن يُستخدم. المفارقة أن تباين النهج بين إسرائيل (التي تسعى إلى تنفيذ ضربة) والولايات المتحدة (التي تسعى إلى تسوية دبلوماسية) قد يخدم الغاية الاستراتيجية، إذ سيدفع القيادة الإيرانية إلى تقديم تنازلات خشية انهيار المفاوضات، مما يمنح إسرائيل فرصة تنفيذ نواياها.

مع ذلك، فإن أي محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية ضمن المفاوضات الحالية يجب أن تأخذ في الحسبان "الخطوط الحمراء" التي وضعتها طهران، وعلى رأسها الرفض المطلق لتفكيك كامل لبنيتها التحتية النووية. وبالنظر إلى التقدم الكبير الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم وفي مجال البحث والتطوير النووي، فلن يكون من الممكن استعادة فترة "الاختراق النووي" التي حددها اتفاق 2015 بعام واحد. وحتى لو تراجعت إيران عن معظم أنشطة التخصيب، وتم فرض قيود كبيرة (مثل تحديد عدد أجهزة الطرد المركزي وأنواعها وكميات المواد الانشطارية المسموح بتخزينها)، فإن المعرفة والخبرة التي اكتسبتها إيران ستمكنها من الوصول إلى سلاح نووي بوتيرة أسرع. ووفقا للخبير النووي ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، فإن إيران، حتى لو احتفظت بأقل من خمسة بالمئة من مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب، فإنها، من دون تدمير فعلي لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ستكون قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لقنبلة نووية واحدة خلال 25 يوما، ولأربع قنابل خلال شهرين.

علاوة على ذلك، فإن التوصل إلى تسوية سياسية قد يقوي النظام الإيراني، على الأقل على المدى القصير، نتيجة المكاسب الاقتصادية الكبيرة التي ستحصل عليها طهران بموجب أي اتفاق مستقبلي. هذه المكاسب قد تعزز الاقتصاد الإيراني وتفتح البلاد من جديد أمام العالم، بما في ذلك الدول الغربية. ومن المحتمل أن تستغل إيران هذه الموارد لتعزيز قدراتها العسكرية، وتوسيع أنشطتها الإقليمية الضارة، وإعادة بناء محورها الإقليمي، رغم أن التطورات الإقليمية الأخيرة أضعفت هذا المحور بشكل واضح. وكلما زادت المطالب والتنازلات المفروضة على إيران في الاتفاق، زادت مطالبها المقابلة بالحوافز الاقتصادية، مثل رفع العقوبات الأميركية الأساسية، وليس فقط الثانوية. ولا يمكن استبعاد أن الرئيس ترامب -الذي يُعلي من شأن النهج التجاري في العلاقات الدولية- قد ينظر في هذه المطالب بشكل إيجابي، خلافا لسابقيه.

ورغم أن نظاما إيرانيا أقوى يشكل تهديدا كبيرا، إلا أن ذلك يسلط الضوء على ضرورة التغيير الجذري داخل إيران. تغيير النظام في إيران يمثل هدفا مهما لإسرائيل والمنطقة والغرب، وللشعب الإيراني أيضا. من المنطقي الافتراض بأنه لا يمكن تغيير السياسات الضارة للنظام الإيراني بشكل جذري من دون استبداله، لأن النظام الحالي لن يتخلى على الأرجح عن التزاماته الأيديولوجية، وعدائه لإسرائيل والولايات المتحدة، وسعيه لتعزيز نفوذه الإقليمي وامتلاك السلاح النووي. لكن تغيير النظام يعتمد على عوامل خارج سيطرة إسرائيل، وآليات يصعب توقع توقيت تفعيلها.

سيناريو الضربة العسكرية

الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية قد تحقق لإسرائيل عدة مكاسب محتملة (بافتراض نجاح العملية):

أولا: تتيح هذه الضربة تحييد قدرات إيران النووية بشكل جزئي أو كامل، خاصة في مجال التخصيب (بما في ذلك البنية التحتية)، وربما أيضا في مجال التسلح، وهي أهداف يصعب تحقيقها عبر تسوية دبلوماسية. كما أنها قد تتيح لإسرائيل فرصة لضرب برنامج الصواريخ، وهو ملف لا يُتوقع أن يُعالج ضمن أي اتفاق مستقبلي.

ثانيا: تنفذ الضربة في توقيت تستفيد فيه من نقاط الضعف الإيرانية: ضعف الدفاعات الجوية وقدرات تصنيع الصواريخ نتيجة الضربة الإسرائيلية في أكتوبر 2024، وضعف محور إيران الإقليمي، خصوصا حزب الله، الذي فقد إلى حد كبير قدرته على الرد. ويبدو حاليا أن إيران ووكلاءها لن يتمكنوا في المستقبل المنظور من إعادة بناء قدراتهم العسكرية بشكل يسمح برد فعّال على ضربة إسرائيلية. في المقابل، من المرجح أن تعمل إيران على ترميم دفاعاتها الجوية وإنتاجها الصاروخي، وهناك تقارير تشير إلى جهود كبيرة تبذلها طهران في هذا المجال بدعم جزئي من الصين وروسيا. في فبراير 2025، كشفت مصادر استخباراتية غربية عن رسو سفينة صينية تحمل ألف طن من "بيركلورات الصوديوم" -وهي مادة رئيسية في تصنيع وقود الصواريخ الصلب- في ميناء بندر عباس. وفي نهاية مارس، أُبلغ عن شحنة إيرانية يُشتبه في نقلها مكونات صاروخية من الصين إلى إيران. وهناك تقارير إضافية تشير إلى أن إيران، بدعم روسي، تعمل على إعادة بناء نظم الدفاع الجوي التي تضررت.

ثالثا: حتى لو لم تؤد الضربة إلى القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني، فإنها قد تفتح المجال أمام استئناف المفاوضات بشروط أكثر ملاءمة لإسرائيل والولايات المتحدة. كما أن تأخير البرنامج النووي الإيراني لعدة أشهر أو سنوات يمكن استغلاله من قبل المجتمع الدولي لترتيب آليات سياسية وأمنية إقليمية تساعد في المواجهة المستقبلية مع إيران، بما في ذلك على الجبهة النووية.

رابعا: قد تتيح الضربة العسكرية فرصة لحدوث تغير سياسي داخلي في إيران، أو على الأقل انتظار وفاة المرشد الأعلى خامنئي (الذي يبلغ 86 عاما)، ما قد يفتح المجال لتغييرات داخل النظام. كما أن ضربة كبيرة، خاصة إذا استهدفت بنى تحتية وطنية واقتصادية، قد تضعف استقرار النظام. ومع ذلك، من الصعب التنبؤ بتأثير الضربة على تماسك النظام. هناك من يرى، بمن فيهم بعض معارضي النظام، أن الضربة قد تدفع الشارع الإيراني إلى الالتفاف حول النظام. لكن أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام، وتآكل الهوية الجماعية، تلقي بظلال من الشك على قدرته على حشد الدعم الشعبي حتى في حالات الطوارئ. ومع ذلك، لا يمكن الاستهانة بروح الوطنية الإيرانية، التي قد تدفع الشارع إلى دعم النظام مؤقتا بعد الضربة.

محدودية الخيار العسكري
إلى جانب المزايا المحتملة للضربة العسكرية، هناك اعتبارات مهمة لا بد من أخذها في الحسبان، لأنها تثير شكوكا حول فعالية وجدوى هذا الخيار:

أولا: المقولة المتكررة بأن "الحرب ميدان اللايقين" تبقى صحيحة. إسرائيل تستطيع توجيه ضربة لإيران، ويمكنها أن تتحرك بمفردها -رغم أن ذلك يتطلب تنسيقا مع الولايات المتحدة- ومن المحتمل أن تحقق عددا من الأهداف التكتيكية بنجاح كبير. إحدى الدروس المستخلصة من حملة إسرائيل ضد حزب الله في صيف 2024 هي ضرورة عدم التقليل من قدرات الجيش الإسرائيلي، وعدم المبالغة في تقدير قدرات الخصم سواء في الهجوم أو الدفاع. ومع ذلك، يجب الاعتراف بحدود القوة، وعدم الاستناد إلى النجاحات العملياتية في غزة أو لبنان عند تقدير صعوبات أي عملية في إيران، التي تبعد مسافة كبيرة عن إسرائيل وتفوق لبنان حجما بأكثر من 150 مرة. تنفيذ عملية عسكرية ضد إيران سيؤدي على الأرجح إلى تصعيد إقليمي، مع نتائج يصعب التنبؤ بها، سواء لإسرائيل أو الولايات المتحدة أو المنطقة. كما أن فشل العملية -بسبب ثغرات استخباراتية أو أخطاء عملياتية أو أعطال فنية- قد يترك لإيران قدرات نووية كبيرة ويؤدي إلى نتائج خطيرة، منها أسر جنود إسرائيليين.

ثانيا: نجاح الضربة العسكرية -سواء كانت إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة- في منع إيران من الوصول إلى السلاح النووي ليس مضمونا. من الصعب تقييم الأثر الفعلي على البرنامج النووي الإيراني من دون معرفة تفصيلية بالقدرات العملياتية ونوعية الأسلحة المستخدمة وطبيعة الخطة. لكن من الواضح أن المهمة ستكون شديدة التعقيد بسبب خصائص البرنامج الإيراني: التوزيع الجغرافي، التكرار، التحصين، وربما أيضا السرية، إضافة إلى بلوغه مرحلة متقدمة على العتبة النووية. في كل الأحوال، المعرفة والتقنيات التي يمتلكها العلماء الإيرانيون لا يمكن تدميرها، وستتيح لإيران إمكانية إعادة بناء البرنامج بعد الضربة. حتى عدد محدود من أجهزة الطرد المركزي، وكمية صغيرة من المواد الانشطارية، ومرافق إنتاج صغيرة -قد تنجو من الضربة أو تُخفى مسبقا- يمكن أن تتيح لإيران استخدام قدرات متبقية بشكل سري وتحقيق اختراق نووي سريع.

العملية التي تقودها الولايات المتحدة ستشكل التهديد الأكبر للنظام الإيراني، وقد تؤدي إلى زعزعته. غير أن مثل هذه الحملة ستكون مكلفة، وقد تنتهي بتصعيد غير مرغوب فيه، خاصة من منظور أميركي، في وقت تركز فيه واشنطن على ملفات داخلية ومنافسة الصين. ولهذا، إذا ترددت الولايات المتحدة في قيادة تحرك عسكري ضد إيران، فقد تضطر إسرائيل إلى التحرك منفردة (حتى لو تم التنسيق مع واشنطن والاستفادة من دعمها الدفاعي ضد الرد الإيراني). ومع ذلك، فإن ضربة إسرائيلية منفردة من المرجح أن تؤخر البرنامج النووي لفترة محدودة فقط. تقرير استخباراتي أميركي حديث (رغم أنه محل نقاش) قدّر أن مثل هذه الضربة لن تؤخر البرنامج الإيراني أكثر من بضعة أشهر. أما تقرير "نيويورك تايمز" في أبريل 2025 حول المحادثات بين الإدارة الأميركية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن الضربة، فقد أشار إلى أن إسرائيل طورت مؤخرا خططا تهدف إلى تأخير قدرة إيران النووية لمدة عام أو أكثر، لكنها تعتمد في معظمها على الدعم الأميركي، ليس فقط لصد الرد الإيراني، بل أيضا لتوفير دعم عسكري أثناء الضربة. وأوضح التقرير أن غياب إمكانية دمج قوات خاصة في العملية خلال الأشهر المقبلة دفع إسرائيل إلى اقتراح تنفيذ قصف يستهدف المنشآت النووية الإيرانية بدعم أميركي على مدار أسبوع كامل، مع التصدي لهجمات صاروخية مكثفة، بهدف تأخير اختراق إيران النووي لأكثر من عام.

إضافة إلى ذلك، فإن ضربة تستهدف وقف البرنامج النووي الإيراني قد تتطلب حملة أوسع تتعدى المنشآت النووية، لتشمل أهدافا عسكرية إضافية، منها مواقع إنتاج وإطلاق الصواريخ الباليستية، وأنظمة الدفاع الجوي. وعلى عكس إسرائيل، تمتلك الولايات المتحدة قدرات أكبر لتنفيذ عمليات طويلة المدى خارج حدودها. كما أن استهداف البنية التحتية العسكرية المرتبطة بالصواريخ، أو حتى منشآت وطنية مثل مرافق النفط والطاقة، بهدف إلحاق أضرار اقتصادية وردع الرد الإيراني، سيتطلب مشاركة أميركية وربما إقليمية نظرا لحجم وتعقيد العملية. ومع ذلك، فإن مثل هذه الحملة، حتى بالنسبة للولايات المتحدة، تنطوي على خطر تصعيد خطير، وقد تؤدي إلى تشتيت اهتمامها وتركيزها عن ساحات أولى مثل الصين، وتدفعها إلى التورط مجددا في الشرق الأوسط ضمن صراع أوسع يصعب حسم مآلاته.

ثالثا: من شبه المؤكد أن الضربة العسكرية ستؤدي إلى رد إيراني ضد إسرائيل، ربما يكون أشد مما حدث في هجومي أبريل وأكتوبر 2024. ورغم أن استهداف قوات الصواريخ الإيرانية خلال العملية قد يحد من التهديد، إلا أنه من المشكوك فيه أن تتمكن إسرائيل -خاصة في حال تنفيذ ضربة منفردة- من تحييد هذا التهديد بالكامل، نظرا لمساحة إيران الواسعة ومشروع الأنفاق المستخدم لتخزين الصواريخ في مختلف أنحاء البلاد.

رابعا: قد تدفع الضربة العسكرية القيادة الإيرانية إلى الاعتقاد بأن امتلاك سلاح نووي هو السبيل الوحيد لردع الهجمات مستقبلا، مما يشجع على السعي إلى الاختراق النووي، أو يشكل ذريعة للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تعمل إيران بسرعة لإعادة بناء برنامجها النووي، وتوزيع الأصول وإخفائها في مواقع تحت الأرض أو داخل منشآت مدنية، مع منع دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أراضيها.

في ظل هذه الظروف، رغم أن ضربة للمنشآت النووية قد تكون ضرورية، إلا أنها ستكون على الأرجح المرحلة الأولى في حملة طويلة ضد إيران، وستحتاج إلى تسوية سياسية لترسيخ مكاسبها. وفي حال غياب هذه التسوية، سيكون من اللازم تنفيذ حملة شاملة وطويلة الأمد ومتعددة الأبعاد -تجمع بين الضربات المباشرة والعمليات التخريبية السرية- لمنع إيران من الوصول إلى الاختراق النووي. هذه الحملة ستتطلب معلومات استخباراتية عالية الجودة لتحديد مواقع المواد المخصبة والأصول النووية المخفية، إلى جانب قدرات عملياتية مستمرة. كما أنها تتطلب تنسيقا كاملا ودائما مع الولايات المتحدة، وهو أمر لا يمكن ضمانه على المدى البعيد في ظل تغير السياسات في واشنطن أو تغير أولوياتها الاستراتيجية، مثل تصعيد كبير مع الصين قد يحد من قدرتها أو رغبتها في دعم إسرائيل.

من الممكن ردع إيران عن استعادة برنامجها النووي بعد الضربة عبر توضيح أن أي محاولة لإعادة البناء ستؤدي حتما إلى ضربات إضافية ضد منشآت حيوية وأهداف عسكرية ورموز النظام، بما يهدد استقراره. ومع ذلك، فإن قرار طهران سيتأثر بعوامل عدة، منها تقييمها لقدرتها على إعادة البناء دون رصد، ومدى إيمانها بعزم إسرائيل والولايات المتحدة على مواصلة الضغط العسكري لفترة طويلة.

هنالك خيار بديل يتمثل في تنفيذ عملية عسكرية محدودة (من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة) كجزء من العملية التفاوضية، سواء بعد تعثر المفاوضات أو فشلها. الهدف سيكون إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال ضغط عسكري محدود، مثل تدمير منشأة نووية واحدة وتحييد قدراتها الدفاعية الجوية. بعد الضربة، سيكون على إيران أن تختار بين العودة إلى التفاوض أو التصعيد بشكل كبير، مما قد يهدد بقاء النظام نفسه. هذا النوع من الضربات المحدودة قد يقلل من خطر التصعيد الواسع، ويتيح قدرا من التحكم بالمخاطر. ومع ذلك، من غير المؤكد أن مثل هذا التحرك سيقنع إيران بالعودة إلى التفاوض، فقد تعتبره القيادة الإيرانية مؤشرا خطيرا على ضعف الجبهة المقابلة.

بين الضربة العسكرية والتسوية: توصيات ومسارات ممكنة للتحرك
يظل منع إيران من امتلاك سلاح نووي هو الهدف الأساسي للحفاظ على أمن دولة إسرائيل وتعزيزه. وقد أكدت أحداث السابع من أكتوبر أن النظام الذي يتبنى أيديولوجيا ثورية وإسلامية ويسعى إلى تدمير إسرائيل لا يمكن السماح له بامتلاك قدرات تشكل تهديدا لها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتهديد وجودي محتمل عبر أسلحة دمار شامل. لا يمكن لإسرائيل أن تقبل بوجود سلاح نووي في يد الجمهورية الإسلامية التي تسعى إلى إفنائها.

تفكيك كامل للبرنامج النووي: حل مثالي لإسرائيل لكنه غير قابل للتحقق عبر التفاوض
يشكل التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني (نموذج ليبيا) الحل المثالي بالنسبة لإسرائيل، خاصة في ظل ماضي إيران في السعي لامتلاك السلاح النووي. إلا أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في الواقع الحالي عبر التفاوض أو تسوية سياسية مع إيران، التي تعتبر تفكيك بنيتها التحتية النووية خطا أحمر. المرشد الإيراني خامنئي لم يتراجع يوما عن موقفه بأن البرنامج النووي ليس سوى ذريعة تستخدمها الدول الغربية لممارسة الضغط والعزل والإضعاف، كخطوة تمهيدية لتغيير النظام الإسلامي. وقد اعتبر خامنئي موافقة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على تفكيك برنامجه النووي عام 2003، والتي لم تمنع لاحقا الإطاحة به من قبل الغرب، دليلا على صواب النهج الإيراني الرافض للخضوع للضغوط الغربية مقابل المكاسب. بالإضافة إلى ذلك، تشير تفسيرات نُشرت مؤخرا في إيران إلى تصاعد قناعة بين صناع القرار في طهران بأن ضربة عسكرية -وخاصة إذا كانت محدودة وتنفذها إسرائيل ضد منشآت نووية فقط ولا تهدد بقاء النظام- قد تكون أفضل من الرضوخ للمطالب الأميركية، وفي مقدمتها تفكيك البرنامج النووي بالكامل.

الخيار العسكري: ممكن وذو قيمة عالية، لكن ضمن حملة شاملة فقط
الخيار العسكري قابل للتنفيذ وذو أهمية كبيرة، لكنه يجب أن يُدرج ضمن إطار أوسع يمكّن من التوصل إلى اتفاق نووي ممتاز (يشمل إما تفكيك البرنامج أو حرمان إيران بشكل كامل من تطوير السلاح النووي مستقبلا)، وقد يتيح كذلك إضعاف النظام، وتدمير قدراته العسكرية، وتقويض شبكة وكلائه. التجارب السابقة -مثل جنوب إفريقيا وليبيا- أثبتت أن أكثر الطرق فعالية لإزالة تهديد نووي هي التنازل الطوعي عن القدرات النووية، نتيجة لضغوط خارجية أو لتغيرات داخلية. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب دفع إيران نحو هذا المسار.

خطر الضربة العسكرية دون تنسيق مع الولايات المتحدة
مع ذلك، فإن أي ضربة عسكرية -خاصة إذا نُفذت من دون مشاركة أميركية فعالة- ستكون محدودة، ومن المحتمل أن تقتصر نتائجها على تأخير قدرة إيران على الوصول إلى السلاح النووي لمدة تقارب عاما واحدا. النجاحات العملياتية التي حققتها إسرائيل خلال العام الماضي لا تضمن بالضرورة نجاحا مماثلا ضد إيران. وقد تؤدي ضربة إسرائيلية محدودة إلى تسريع المشروع النووي الإيراني، وإذا لم تُنسق مع الولايات المتحدة، فقد تعرقل جهدا مشتركا أميركيا إسرائيليا لتحقيق الهدف ذاته. كما أن الحاجة إلى التنسيق الكامل مع واشنطن تبقى ضرورية، خصوصا لأن ضربة إسرائيلية قد تؤدي إلى حرب مباشرة مع إيران تتطلب دعما أميركيا.

التسوية السياسية: لا رفض تلقائيا، ولا قبول بأي ثمن
لا ينبغي رفض التسوية السياسية بشكل تلقائي، شرط أن تؤدي فعليا إلى إغلاق الطريق أمام إيران نحو امتلاك سلاح نووي. إن الرفض الإسرائيلي التلقائي للاتفاق النووي لا يخدم مصالح إسرائيل، ويؤدي إلى تهميش موقفها المهني خلال المفاوضات. يجب توجيه الرغبة الأميركية في التوصل إلى تسوية سياسية نحو تحقيق أفضل اتفاق ممكن لإسرائيل، عبر الخوض في التفاصيل وإدماج القيود والضمانات التي تضمن أن إيران لن تمتلك السلاح النووي. يجب أن يتم ذلك ضمن إطار من الحوار الإسرائيلي – الأميركي، يضمن أن أي تسوية سياسية -في حال التوصل إليها- ستحقق مصالح إسرائيل الأمنية الحيوية. وفي جميع الحالات، حتى في حال التوصل إلى اتفاق، يجب على إسرائيل الحفاظ على قدراتها العسكرية وتعزيزها في مواجهة إيران، لضمان بقاء خيار التحرك العسكري الفعال قائما عند الحاجة.

مبادئ توجيهية لتسوية ممكنة: كيف يمكن منع إيران من امتلاك السلاح النووي؟
رغم أنه لا يمكن توقع التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، إلا أنه من الممكن منع إيران من امتلاك السلاح النووي حتى من دون التنازل الكامل عن جميع قدراتها. ونظرا لأن مدة "الاختراق النووي" المتوقعة أقصر من تلك التي حددها اتفاق 2015، فإن هناك حاجة إلى قيود وضمانات مشددة في مجالات التخصيب، والتسلح، والمراقبة، والصواريخ. كما يجب العمل على إلغاء بنود "انقضاء المدة" (sunset clauses) المنصوص عليها في الاتفاق النووي الأصلي، أو على الأقل تأجيلها بشكل كبير أو استبدالها بآلية تسمح بتمديد القيود تلقائيا.

في مجال تخصيب اليورانيوم
نظرا للتقدم الكبير الذي حققته إيران في تخصيب اليورانيوم خلال السنوات الأخيرة، لن يكون من الممكن إعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه في 2015. الاتفاق النووي آنذاك ركز على تقييد قدرات التخصيب (عدد أجهزة الطرد المركزي، أنواعها، وكميات المواد الانشطارية)، ويجب تجديد هذه القيود وتشديدها -مثلا عبر تقليص عدد الأجهزة وكميات المواد- لكن هذا وحده لا يكفي. ولذلك، يجب أن يتضمن الاتفاق النووي المقبل قيودا أكثر صرامة، لا تقتصر على القدرات الفنية بل تشمل الرقابة والتنفيذ.

في مجال التسلح
توجد حاجة لتعزيز الإشراف والتنفيذ على مكونات التسلح المحتملة الواردة في القسم T من الاتفاق النووي، بما في ذلك الأنشطة المتعلقة بتطوير الرأس النووي، مثل حظر إنتاج اليورانيوم المعدني -وهو مكون أساسي في نواة القنبلة- أو الأنشطة المتعلقة بالنمذجة الحاسوبية، والتجارب على محفزات النيوترون، التي تُستخدم كصاعق في القنبلة النووية.

في مجال الرقابة
في ضوء التقدم الذي أحرزته إيران، يصبح من الضروري توسيع صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضمن نظام الرقابة، لمنع أي "اختراق نووي" مستقبلي. ويجب أن تشمل الإجراءات المطلوبة إلزام إيران بالمصادقة على البروتوكول الإضافي لاتفاقية حظر الانتشار، ومنح الوكالة حق التفتيش الواسع في المواقع غير المعلنة وإجراء زيارات مفاجئة. كما يجب السماح للوكالة بتكرار عمليات التفتيش في المنشآت المشتبه بها، كما كشفه الأرشيف النووي الذي حصلت عليه إسرائيل عام 2018.

كما يجب حل الغموض الذي شاب اتفاق 2015 بخصوص التفتيش في المواقع العسكرية المشتبه بها. فالمطلب الأصلي بخصوص تفتيش "في أي وقت وفي أي مكان" تُرجم إلى بنود معقدة وغامضة، تسمح لإيران على الأقل بتأجيل مثل هذه الزيارات. كما يجب توسيع المراقبة لتشمل التكنولوجيا والأنشطة المرتبطة بالتسلح، وليس فقط التخصيب، وتوسيع استخدام أدوات المراقبة الرقمية مثل "مراقب التخصيب عبر الإنترنت".

في مجال الصواريخ
خلال مفاوضات 2015، أصرت إيران على استبعاد ملف الصواريخ من الاتفاق النووي. ولا تزال إيران اليوم ترفض مناقشة هذا الملف. ومع تراجع قدرة المحور الإيراني، أصبحت طهران تعطي أهمية أكبر لترسانتها الصاروخية، بوصفها جزءا من أدوات الردع إلى جانب الطائرات المسيرة. ومع ذلك، فإن منع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية يتطلب معالجة ملف الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.

يجب ألا يقتصر التركيز على مدى الصواريخ -فالصواريخ متوسطة المدى تكفي لتغطية أراضي إسرائيل- بل يشمل الصواريخ ذات القدرة النووية، سواء الباليستية أو المجنحة، متوسطة أو بعيدة المدى. ويُستحسن دمج معيار نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ (MTCR) ضمن المفاوضات، وهو المعيار الذي يحدد أن أي صاروخ يتجاوز مداه 300 كلم ويمكنه حمل رأس حربي يزيد وزنه على 500 كلغ يُعد صاروخا خطرا. ويجب مطالبة إيران بالانضمام إلى هذا الإطار الدولي، حتى لو كان طوعيا بطبيعته.

الانعكاسات على إسرائيل
في ضوء التهديد الفوري والخطير الذي يشكله استمرار اقتراب إيران من العتبة النووية، وتصاعد الدعوات داخلها لإعادة النظر في العقيدة النووية والتفكير في "اختراق نووي"، يصبح من الضروري التركيز على منع هذا التهديد. التحديات التي تواجهها إسرائيل لا تقتصر على الملف النووي، كما أن هناك ترابطا بين مكوناته (القدرات النووية، الصواريخ، الطائرات المسيرة، التغلغل الإقليمي، الإرهاب، الحرب السيبرانية)، إلا أن التعامل مع كل مكون على حدة وبأدوات منفصلة سيكون أكثر فعالية. السعي إلى اتفاق شامل يغطي كل الملفات ليس واقعيا، وقد لا يخدم المصلحة الإسرائيلية، بل قد يبعدها عن تحقيق الهدف الأساسي: منع إيران من امتلاك سلاح نووي. هذا التقدير الذي كان صحيحا في الماضي أصبح أكثر صوابا اليوم، خاصة في ظل ضعف المحور الإيراني خلال العام الماضي، ما يمنح إسرائيل والولايات المتحدة أدوات أفضل للتعامل مع محاولات إيران لإعادة بناء نفوذها الإقليمي وقدرات حلفائها.

في حال تعذر التوصل إلى تسوية تمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ومع اتخاذ قرار باللجوء إلى الخيار العسكري، يجب على إسرائيل تنسيق هذه الخطوة مع الولايات المتحدة، حتى إن لم يشمل ذلك مشاركة أميركية فعالة. التنسيق ضروري للدفاع ضد الرد الإيراني، والحفاظ على المكاسب، ومنع إعادة بناء البرنامج النووي، سواء عبر الوسائل العسكرية أو السرية أو الدبلوماسية.

في جميع الأحوال، من الضروري التأكيد على أن المطلوب هو حملة شاملة ضد إيران، لا مجرد ضربة ضد برنامجها النووي. ضربة أميركية – إسرائيلية مشتركة قد توفر حلا مثاليا إذا كانت جزءا من حملة موسعة ضد النظام الإسلامي، لا تقتصر على بضع منشآت نووية فقط. ويجب أن يُخطط لها على هذا الأساس. وفي نهاية الحملة، يجب قيادة تحرك دبلوماسي مكمّل يضمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية الكاملة: تفكيك القدرات النووية، تفكيك المحور الإيراني، وفرض قيود على المشروع الصاروخي.

(Visited 147 times, 1 visits today)