أعلنت إسرائيل في منتصف شهر يونيو حزيران الماضي موافقتها المبدئيّة على تطوير حقل "غزّة مارين" للغاز الطبيعيّ، الواقع على مسافة 36 كيلو مترا قُبالة سواحل مدينة غزّة. الإعلان صدر في حينه عبر بيانٍ من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، وقد جاء فيه أنّ إسرائيل توافق مبديئّا على تطوير الحقل، وترى أنّ التقدم في استغلال موارده مرهونٌ بـ "الحفاظ على الاحتياجات الأمنيّة والدبلوماسيّة لدولة إسرائيل".

لم تكن تلك المرّة الأولى التي يطفو فيها اسم "غزّة مارين" إلى السطح. فمنذ اكتشافه عام 1999، جرت الكثير من المداولات بين الأطراف الإقليميّة والدوليّة المعنيّة من أجل تطويره واستغلال موارده لحلّ مشكلات الطاقة المُتفاقمة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة، وتحديدا قطاع غزّة، الذي يعيش أزمة كهرباء خانقة منذ قصف محطّة توليد الطاقة الوحيدة فيه عام 2006 وتشديد الحصار الإسرائيليّ عليه منذ ذلك الوقت. إلا أنّ جميع هذه المداولات والجهود لم تصل لنتيجة بسبب امتناع إسرائيل عن منح الموافقة على تطوير الحقل.

الموافقة التي أعطتها إسرائيل موخرا جاءت بسبب الضغوط الأمريكيّة المتزايدة على نتنياهو في السنة الأخيرة لتقديم تسهيلاتٍ معيشيّة للفلسطينيين. وقد أشار السفير الأمريكيّ في تل أبيب، توماس نيدس، قبيل مغادرته لمنصبه الشهر الماضي، إلى أنّه لعب دورا حاسما في انتزاع الموافقة الإسرائيليّة على حزمةٍ من التسهيلات المعيشيّة للأراضي المحتلّة وعلى رأسها تطوير حقل "غزّة مارين".

لديّ قناعة، وقد أكون مخطئا فيها، وهي أن إسرائيل ستتملّص في النهاية من موافقتها المبدئيّة هذه، وأنها لن تسمح بتطوير الحقل وتمكين الفلسطينيين من الاستفادة من موارده لاعتباراتٍ لا مجال لذكرها الآن. لكنني سأفترض جدلا بأنّ الحقل سيطوّر بالفعل، وسأشارككم، على هذا الأساس، مجموعة من الملاحظات الفنيّة والسياسيّة التي قد تكون مفيدة للنقاش العام حول هذه المسألة الحساسّة، خاصّة أن غياب هذا النقاش فلسطينيّا، والذي يترافق مع شحّ في المعلومات، إنّما يزيد من الغموض حول الموضوع. والغموض، كما نعلم جميعا، أرضٌ خصبة لنموّ المبالغات والاستخلاصات البعيدة عن الواقع. كما أنّ الغموض، علاوة على ذلك، يبقى حالة مثاليّة بالنسبة لأولئك الذين يريدون عقد صفقات سياسيّة أو تجاريّة رابحة بعيدا عن أعين العامّة وأسئلتهم.

والملاحظات التي سأقدّمها هنا ليست شاملة ولا مترابطة ولا تُغطّي الأمر من جميع جوانبه حتما، إنّما هي تدوينٌ لما خطر في ذهني لحظة الكتابة حول العوامل التي يمكن لها التأثير على عمليّة تطوير الحقل مستقبلا. وقد كنتُ أريد نشر الملاحظات على دفعة واحدة، لكنها كثرت واستطالت، فآثرتُ أن أقسّمها على أكثر من منشورٍ واحد. فالقاريء في هذه الأيام شديد الملل قليل التركيز، وهو لا يُطيق صبرا على النصوص الطويلة. وفي نهاية المطاف، فالأمل يحذو المرء دائما أن يجد من سيقرأ الملاحظات أنّها سدّت لديه بعض الفجوات في فهم مسألة غاز غزّة على نحوٍ أفضل، وأنّها قدمت له أيضا شيئا من المعرفة العامّة عن صناعة الغاز ذاتها. أما المتعة، فهذه متوقفة على ذوق وطبيعة القاريء وميوله، لكنني أعتقد، على المستوى الشخصي، أنّ هنالك دائما سحرا خاصّا في رؤية السياسة من زاويتها التقنيّة .. يتبع.

(Visited 72 times, 1 visits today)