نشر معهد الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، عشيّة زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، تحليلا لاثنين من باحثيه، يعقدان فيه مقارنة من زوايا مختلفة للمخاطر والمكاسب التي ستتحقّق لإسرائيل من جرّاء تنفيذ خطة "مركبات جدعون" في مقابل المخاطر والمكاسب التي ستتحقّق لها من القبول بالمقترح المصريّ لإنهاء الحرب. يعتقد الباحثان أنه وبالرغم من الإعلان عن الخطّة مؤخرا والزخم الذي أحاطها، إلا أنّ القيادة والنظام السياسيّ والإعلام في إسرائيل لم يناقشوا تداعياتها والبدائل المقترحة لها مناقشة منهجيّة جادة، وهما يستخلصان في النهاية أن المفاضلة بين مسار "مركبات جدعون" ومسار "الخطة المصرية" لا يجب أن ترتكز إلى مبدأ "الشر المطلق" و"الخير المطلق"، بل إلى حقيقة أنهما يمثلان خياران استراتيجيان مختلفان، الأول أحادي البُعد، يركز على الجانب العسكريّ وحسب، والثاني متعدد الأبعاد، يركز على الفوائد السياسيّة والأمنيّة الأوسع وذات المدى الأطول.

من الضروري الإشارة هنا إلى أن معهد الأمن القوميّ، والذي أدأب على الترجمة منه بشكلٍ شبه دوري، يعد أنشط مراكز البحث الإسرائيليّة وأفضلها في تغطية المجالات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والتقنيّة. وقد واكب المركز وباحثوه الحرب على غزّة مواكبة نشطة عبر تقديم تحليلات ودراسات واستشرافات تصب جميعها في باب محاولة التأثير على صنّاع القرار السياسيّين والعسكريين ورفدهم بالتوصيات والإنذارات والتصوّرات البديلة بشأن الملفات المختلفة التي بين يديهم. ونظرا لأنّ غالبية الباحثين في المعهد هم من الضبّاط السابقين في الجيش الإسرائيليّ، وكثيرٌ منهم جاء من مواقع مرموقة في المؤسسة العسكريّة، مثل المدير التنفيذي للمعهد الذي سبق وأن خدم كرئيس لشعبة الاستخبارات العسكريّة، فيمكن القول أنّ مقاربات المعهد تجاه القضايا المختلفة قد تعكس في بعض الأحيان الأجواء وأنماط التفكير السائدة في الجيش أو في بعض دوائره.

في مقابل ذلك، من الضروري الإشارة أيضا إلى أنّ التحوّلات التي جرت في إسرائيل وفي المؤسسة العسكريّة ذاتها في العقدين الأخيرين، وتحديدا لجهة تصاعد تأثير الصهيونية الدينية والتيارات الأكثر يمينية في المركّب العسكريّ – السياسيّ الإسرائيلي، ربما يجعل من أطروحات المعهد في مسائل كثيرة انعكاسا لأفكار دوائر الجيش الأكثر علمانية واحترافية والمستندة في رؤيتها للأشياء إلى المباديء العملية للتفكير الاستراتيجي. وهذا يعني بالضرورة أنّ ليس كلّ ما يُقدّمه المركز من توصيات ومقترحات يجري تبنيه فعليا من قبل أصحاب القرار أو يأنه يُلائم تطلعاتهم، ذلك أن حكومة نتنياهو الحالية، وبحكم تركيبتها المرتكزة إلى تيارات أقصى اليمين، ترى الكثير من قضايا السياسة والحرب من المنظار الأيدولوجيّ الصرف، ولا شكّ أن هذا الأمر يؤثر على توجهاتها وسياساتها، بل وربما يضعها في الكثير من الأحيان في احتكاكٍ خشن مع المؤسسة العسكريّة ذاتها.

ويبقى التشديد هنا على أن ترجمة أوراق المعهد وتحليلاته إنما هي محاولة متواضعة للتعرف على جوانب من التفكير الاستراتيجي لبعض الدوائر الإسرائيلية إزاء قضيّة الحرب في غزّة وفهم مقارباتها ومنهجيتها في النظر لهذه القضية على نحو أفضل، ومحاولة إثراء النقاش السياسي والرفع من مستواه خاصة في ظلّ افتقارنا لمراكز بحثية أو معالجات شبيهة بالمعالجات التي يقدمها المجتمع البحثي في إسرائيل والمرتبط ارتباطا وثيقا بدوائر صنع القرار هناك.

ملخّص:

منحت الحكومة الإسرائيلية الجيش الإسرائيلي تفويضا لاستكمال الاستعدادات لتنفيذ خطة "مركبات جدعون"—وهي خطة تهدف إلى غزو قطاع غزة وهزيمة حركة حماس، وتركيز سكان القطاع في منطقته الجنوبية، وتشجيع الهجرة منه. تنفيذ هذه الخطة سيأتي بكلفة باهظة، تشمل: مقتل الرهائن وفقدان المعلومات المتعلقة بمواقع احتجازهم؛ سقوط مزيد من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي؛ تراجع فرص تحقيق التطبيع مع المملكة العربية السعودية؛ تعمّق الانقسامات الداخلية في إسرائيل نتيجة الخسائر العسكرية المتوقعة والتوترات السياسية التي ستتصاعد تبعًا لذلك؛ أعباء اقتصادية ثقيلة؛ ازدياد التعرض لمخاطر قانونية ودبلوماسية؛ وتبعات أخلاقية لأفعال الجيش الإسرائيلي المتوقعة. وتأتي هذه التحديات في وقتٍ لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت دولة إسرائيل تمتلك حاليًا القدرة الدبلوماسية والعسكرية والمجتمعية الكافية لتحقيق أهداف هذه الخطة. في المقابل، يبرز المقترح المصري، المدعوم من جامعة الدول العربية، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن، وتشكيل إدارة تكنوقراطية فلسطينية في غزة تحت رعاية إقليمية ودولية. ورغم أن البديل المصري ينطوي على التنازل عن هدف الهزيمة العسكرية الكاملة لحماس، إلا أن تنفيذه من شأنه أن يُسرّع عملية الإفراج عن الرهائن، ويعزز استقرار الأمن وإعادة إعمار القطاع، ويزيد فرص توسيع دائرة اتفاقيات أبراهام وتحقيق التطبيع مع السعودية، كما يساعد على معالجة الأزمة الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل.

الترجمة:

في تصريحات رسمية، أفاد مسؤولون إسرائيليون بأن تنفيذ خطة "مركبات جدعون" سيتم بعد زيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، والتي تبدأ في 16 مايو، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس بشأن صفقة لإطلاق سراح الرهائن وفق شروط مقبولة لإسرائيل. ويهدف الاستعداد للعملية والتهديد بتنفيذها إلى دفع حماس للقبول بالصيغة التي طرحها مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، والتي تركز على صفقة جزئية يتم بموجبها إطلاق سراح بعض الرهائن فقط، مع احتفاظ إسرائيل بحقها في استئناف القتال. حتى الآن، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب إصرار حماس على صفقة كاملة تشمل إطلاق جميع الرهائن ووقف الحرب، في مقابل تمسّك إسرائيل بخطة ويتكوف.

وتتنافس مع خطة "مركبات جدعون" الاستراتيجية البديلة المستندة إلى المقترح المصري، الذي تبنّته جامعة الدول العربية ورفضته الحكومة الإسرائيلية بشكل قاطع. يشمل هذا المقترح: إطلاق سراح جميع الرهائن ووقف الحرب في مرحلتها الأولى، وتشكيل إدارة تكنوقراطية فلسطينية بديلة لحكم حماس (التي وافقت مسبقًا على التنازل عن السيطرة المدنية على غزة)، على أن تعمل هذه الإدارة تحت إشراف السلطة الفلسطينية وبدعم عربي ودولي؛ بالإضافة إلى نشر قوات أمن فلسطينية وعربية في القطاع، وبدء خطة لإعادة الإعمار بتمويل عربي ودولي.

في الخطاب العام داخل إسرائيل، لا توجد مناقشة منظمة أو منهجية، لا من قبل القيادة والنظام السياسي ككل، ولا من قبل الإعلام، حول تداعيات خطة "مركبات جدعون" أو البديل المقترح لها. وفيما يلي تحليل للمخاطر والفرص الكامنة في هذه الخطة، من حيث مضمونها ومقارنتها بالمبادرة المصرية.

مصير الرهائن

من المتوقع أن تؤدي عملية "مركبات جدعون" إلى مقتل بعض الرهائن وفقدان المعلومات المتعلقة بمصيرهم، بما في ذلك الرهائن المتوفين. وقد يحدث ذلك نتيجة غارات الجيش الإسرائيلي، أو ردود انتقامية من حماس، أو فرار الخاطفين وتركهم للرهائن.

أما في المقترح المصري، فيُفترض أن يتم إطلاق سراح جميع الرهائن في المرحلة الأولى من الاتفاق. ومن الناحية العملية، قد تؤخر حماس إطلاق سراح البعض أو تمتنع عنه لأسباب تفاوضية بهدف الاحتفاظ بـ"ضمانة"، ومع ذلك، من المرجّح أن يعود معظم الرهائن الأحياء. وفي حال امتنعت حماس عن الإفراج الكامل، فإن إسرائيل ستحظى بشرعية داخلية وخارجية لاستئناف العمليات العسكرية، مع تخوّف أقل من تعريض الرهائن للخطر أثناء القتال.

الإنجاز العسكري المتوقع

تشمل خطة "مركبات جدعون" توغلاً واسع النطاق في قطاع غزة واحتلالا طويل الأمد لمناطق كبيرة بهدف إسقاط حكم حماس وتفكيك جناحها العسكري، وإن لم يكن ذلك كفيلا بالقضاء على جميع الخلايا المسلحة التي قد تواصل الهجمات ضد القوات الإسرائيلية. في السيناريو الأمثل، تصبح حماس لاعبا ثانويا، وتتمكن إسرائيل من تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد تشمل الاحتلال المستمر، أو الضم، أو نقل السيطرة إلى سلطة فلسطينية معتدلة. إقليميا، ستوجّه إسرائيل رسالة ردع، وتُعمّق مكاسبها الاستراتيجية في مواجهة المحور الإيراني، وتعزز صورتها كقوة مصمّمة لا تتراجع.

غير أن هناك شكوكا حقيقية حول قدرة الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة، بعد 19 شهرا من بدء الحرب، على استكمال السيطرة الكاملة على القطاع وتطهيره من حماس. هذا الأمر يتطلب أشهرا من العمليات، تليها سنوات من التواجد العسكري المحدود، في وقت تظهر فيه علامات الإنهاك بين قوات الاحتياط، ويتصاعد النقاش العام حول أهداف الحرب وكلفتها، ومن المتوقع أن يتفاقم مع ارتفاع خسائر الجيش في حرب العصابات التي تنتهجها حماس. علاوة على ذلك، في عهد الرئيس ترامب، لم تعد إسرائيل تملك هامش المناورة الدبلوماسي الذي كانت تتمتع به سابقا، إذ إن الرئيس الأميركي لا يُبدي حساسية كبيرة تجاه مصالح إسرائيل ولا التزاما بالقيم التي دعمها الرؤساء السابقون. تركيزه في الشرق الأوسط ينصب على الصفقات الاقتصادية وخاصة في الخليج، ولا يتماشى مع استمرار القتال في غزة.

عنصر "الهجرة الطوعية" في الخطة يثير بدوره تساؤلات أخلاقية وقانونية، خاصة وأنه قد يُفهم دوليا كعملية تطهير عرقي. ورغم أن بعض الاستطلاعات (غير الموثوقة) تشير إلى أن نصف سكان القطاع يرغبون في المغادرة، إلا أنه لا توجد دولة إسلامية أو متقدمة أعلنت استعدادها لاستقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين. كما لا يُعرف ما إذا كان هؤلاء السكان سيقبلون بالانتقال إلى دول فقيرة. أضف إلى ذلك إمكانية لجوء دول الخليج إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على ترامب لمنع تنفيذ خطة الإجلاء.

أيضًا، قد يؤثر احتلال غزة سلبا على قدرة إسرائيل على إدارة المخاطر العسكرية في ساحات أخرى، مثل احتمال اندلاع مواجهة جديدة مع حزب الله في الشمال، أو توتر عسكري مع النظام السوري، إضافة إلى مخاطر دائمة في الضفة الغربية، وهشاشة الوضع في الأردن. وكل هذا يحدث بينما يعاني الجيش من نقص في الأفراد حتى قبل الدخول إلى غزة.

مسألة نزع السلاح

بعكس خطة الاحتلال، يبدو أن المقترح المصري يفتقر إلى آلية واضحة لنزع سلاح غزة، نتيجة معارضة حماس القوية لذلك، ورفض بعض الدول العربية، وعلى رأسها قطر، لنزع سلاح الحركة خارج إطار قيام دولة فلسطينية. بمعنى آخر، فإن مطلب نزع السلاح لا يحظى بتوافق عربي.

ومع ذلك، كشفت مناقشات أجراها باحثون من معهد دراسات الأمن القومي مع أطراف عربية عن استعداد لصياغة ترتيبات أمنية واسعة تشمل: نشر قوات عربية (من مصر والإمارات مثلًا) لضبط الأمن ومنع إعادة تسلح حماس؛ إنشاء آليات رقابة صارمة داخل القطاع؛ نشر قوات أمن فلسطينية غير تابعة لحماس ومدرّبة في مصر؛ احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية على حدود غزة ("المحيط الأمني")؛ وضع آلية فعالة لمنع تهريب الأسلحة عبر الحدود مع مصر؛ الموافقة على تدخلات إسرائيلية لإزالة التهديدات؛ بل وحتى السماح بعمليات للجيش الإسرائيلي في مناطق لا توجد فيها قوات عربية. إذا أبدت إسرائيل استعدادًا للتعاون مع المبادرة المصرية، يمكنها التأثير على تفاصيلها بما يتماشى مع مصالحها الأمنية واحتياجاتها العسكرية.

التكلفة الاقتصادية

من المتوقع أن تفرض خطة "مركبات جدعون" أعباء مالية ضخمة على إسرائيل. فتشغيل إدارة عسكرية في غزة، والحفاظ على القوات فيها، يُقدّر بما لا يقل عن 25 مليار شيكل سنويًا، تشمل العمليات الأمنية، والخدمات اللوجستية، والبناء، والبنية التحتية الأساسية. كما ستتحمل إسرائيل مسؤولية توفير الخدمات المدنية لسكان غزة من ماء، وغذاء، ورعاية صحية، وسكن، في ظل تدمير شبه كامل للبنية التحتية، وهو ما يُقدّر بتكلفة إضافية لا تقل عن 10 مليارات شيكل. ووفقا لتقديرات بنك إسرائيل، فإن إطالة أمد الحرب سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.5٪ سنويا (أي ما يعادل 10 مليارات شيكل تقريبا)، نتيجة انخفاض العرض في سوق العمل وزيادة أعباء خدمة الاحتياط.

وتقع هذه الأعباء جميعها تقريبا على عاتق ميزانية الدولة، إذ لا يُتوقع أن تُدر غزة أي دخل، كما أن المساعدات الإنسانية الخارجية ستتراجع على الأرجح. فالقطاع الخاص متوقف بالكامل، ونظام الضرائب المحلي انهار، ما يجعل من المستحيل تحصيل أي إيرادات تمويلية للاحتلال أو إعادة الإعمار.

في المقابل، يعتمد المقترح المصري على تمويل إقليمي ودولي لإعادة إعمار غزة، ولا يتطلب إنفاقا إسرائيليا إلا في حدود التعاون الأمني والمدني. أما الدول المعنية—وخاصة مصر والإمارات—فترغب في وضع آلية توافقية لنزع السلاح، لضمان جدوى الاستثمارات وتفادي إعادة تموضع حماس.

التبعات القانونية

سيؤدي الاحتلال طويل الأمد ضمن خطة "مركبات جدعون" إلى فرض التزامات واسعة على إسرائيل بوصفها "قوة احتلال" ومسؤوليتها الكاملة عن تلبية احتياجات سكان غزة. كما سيزيد البُعد الإنساني في العملية من تعقيد الوضع القانوني لإسرائيل، لا سيما في ظل الاتهامات الموجهة لها منذ بداية الحرب. فإجلاء نحو مليوني إنسان إلى منطقة صغيرة جنوب القطاع، في ظروف قاسية، مع تحفيزهم على الهجرة، قد يُفسَّر قانونيا بأنه عقاب جماعي، أو تجويع، أو طرد قسري—بل وقد يُصنَّف كتطهير عرقي أو كـ"إلحاق ظروف معيشية قسرية تهدف إلى تدمير جماعي أو جزئي لفئة بشرية"، وفق تعريفات "الإبادة الجماعية". هذا التفسير قد يُستخدم في المحاكم الدولية في لاهاي لتقوية دعاوى ارتكاب إسرائيل لجرائم خطيرة، ما قد يؤدي إلى إصدار مذكرات توقيف، وقد يشمل ذلك ملاحقات قضائية لضباط وجنود ومسؤولين إسرائيليين في عدة دول.

أما المقترح المصري، فينقل المسؤولية المدنية إلى أطراف فلسطينية وعربية معتدلة تحت إشراف دولي، ما يقلل من تعرّض إسرائيل للملاحقة القانونية.

التبعات الدبلوماسية

قد تُفضي عملية "مركبات جدعون" إلى أزمة دبلوماسية إقليمية ودولية حادة. فالتهجير الجماعي والاحتلال الطويل من شأنهما أن يُضعفا معاهدات السلام مع مصر والأردن، ويُجمّدا التطبيع مع السعودية، ويُلحقا ضررًا باتفاقيات أبراهام. كما أن أي ترحيل أو تدفق للفلسطينيين نحو سيناء سيؤدي إلى أزمة حادة مع القاهرة، ويقوّي الخطاب المعادي لإسرائيل في الشارع العربي، ويمنح تيارات الإسلام السياسي المتطرفة اليد العليا على حساب الأنظمة المعتدلة المؤيدة للغرب. فضلًا عن ذلك، فإن النقد الدولي المتزايد لإسرائيل قد يتحول للمرة الأولى إلى عقوبات وعزلة دبلوماسية واسعة من دول كانت تتجنّب مثل هذه الخطوات في السابق.

في المقابل، يتماشى المقترح المصري مع المصالح الإقليمية ورؤية الرئيس ترامب لإنهاء الحرب وبناء محور معتدل ضد إيران. كما أنه يفتح المجال لتعاون عربي واسع، وإحياء العملية السياسية، وتدشين علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية، مع فرص عالية لمبادرات اقتصادية وبُنى تحتية مشتركة. لكن تنفيذ الخطة يبقى مرهونا بموافقة إسرائيل على إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة، وتطوير آلية فاعلة لنزع السلاح.

التبعات الاجتماعية والسياسية

مع امتداد فترة الاحتلال وارتفاع التكاليف البشرية والاقتصادية والأخلاقية، سيتصاعد النقد الشعبي وتتآكل اللحمة الاجتماعية في إسرائيل. فضعف معنويات قوات الاحتياط، وفقدان الاتصال بالرهائن، ومشاهد الجنود يفرضون السيطرة على سكان معادين، وإصابات خلال توزيع المساعدات، واحتكاك لا مفر منه مع المدنيين، كلها عوامل قد تؤدي إلى احتجاجات واسعة، ونزع شرعية العملية، وخطاب سياسي واجتماعي أكثر انقسامًا.

ورغم أن المبادرة المصرية لا تُسقط حماس كليا، إلا أنها توفّر إطارا لتحقيق مصالح وطنية واسعة: استعادة الرهائن، وقف القتال، تجنب مستنقع الاحتلال، بناء أمن معقول على المدى المتوسط، وفتح آفاق للتطبيع مع السعودية وتوسيع اتفاقيات أبراهام. غير أن غياب صورة "النصر العسكري" والإحساس بـ"الرضوخ لحماس" قد يثير انتقادات شعبية للقيادة السياسية والعسكرية.

الخلاصة

تنطوي خطة "مركبات جدعون" على إمكانيات حقيقية لإسقاط حكم حماس، وتعزيز الردع الإسرائيلي، وتأمين السيطرة الكاملة على أدوات الأمن في غزة. لكنها في المقابل تنطوي على كلفة باهظة، تشمل المساس بالرهائن وفقدان المعلومات عنهم، تعمّق الانقسامات الداخلية بسبب الخسائر العسكرية والتداعيات السياسية، أعباء اقتصادية ثقيلة، تعرض قانوني ودبلوماسي كبير، وتبعات أخلاقية خطيرة، فضلًا عن ضياع فرصة التطبيع وتوسيع اتفاقيات أبراهام. ويحدث كل ذلك في وقت قد تفتقر فيه إسرائيل إلى القدرة السياسية والعسكرية والاجتماعية اللازمة لتنفيذ الخطة، التي تتطلب عملية طويلة تمتد لأشهر أو ربما سنوات.

في المقابل، يقترح البديل المصري—المدعوم من العالم العربي والمجتمع الدولي—وقف إطلاق النار، الإفراج عن الرهائن، وتشكيل إدارة تكنوقراطية فلسطينية في غزة تحت رعاية إقليمية ودولية. ورغم أنه يتنازل عن هدف إسقاط حماس عسكريًا بشكل كامل، فإن تنفيذه يتيح استقرارًا أمنيًا، وإعادة إعمار مدني، وفرصة لتسوية إقليمية، وتخفيف الضغوط الدولية، وتحسين إدارة المخاطر في ساحات أخرى، والتفرغ للأزمة الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل.

ومن المهم الإشارة إلى أن المقترح المصري لا يُقيد حرية تحرك الجيش الإسرائيلي ضد حماس أو بنيتها التحتية. تمامًا كما تواصل إسرائيل استهداف حزب الله في لبنان ضمن سياسة الحفاظ على القدرة التنفيذية، فإن بإمكانها التحرك ضد التهديدات داخل غزة أو القادمة منها. وإذا تعاونت إسرائيل مع المبادرة المصرية وساهمت في صياغة تفاصيلها—وخاصة آليات نزع السلاح الفاعلة—فإنها تستطيع الحفاظ على حقها في الدفاع عن النفس وقدرتها العملياتية، ضمن تفاهمات رسمية وغير رسمية مع الدول العربية والولايات المتحدة، مع تمكين مسار التهدئة الذي يُضعف قبضة حماس على الحكم والمجتمع.

الاختيار بين البديلين ليس خيارا بين "الخير المطلق والشر المطلق"، بل بين استراتيجية أحادية تسعى إلى نصر عسكري شامل مقابل كلفة هائلة، واستراتيجية متعددة الأبعاد تقبل بنتائج عسكرية جزئية لكنها تفتح الباب أمام مكاسب دبلوماسية واقتصادية من خلال التعاون مع الدول العربية المعتدلة، وتعزيز اتفاقات السلام القائمة، وتوسيع اتفاقيات أبراهام. ويحمل كلا الخيارين مخاطر عسكرية، واستراتيجية، وأخلاقية، واقتصادية، واجتماعية. وبالتالي، فإن القرار يعتمد على تحديد الأهداف القومية طويلة الأمد لإسرائيل—بين رؤية تعتقد أن "العيش الأبدي بالسيف" هو قدر حتمي، ورؤية بديلة تسعى لتحسين التموضع الاستراتيجي عبر تعميق التعاون الإقليمي وإبرام تفاهمات سياسية.

مقارنة بين خطة "مركبات جدعون" والمقترح المصري

الفئة خطة مركبات جدعون المقترح المصري
مصير الرهائن خطر مرتفع على سلامة الرهائن وفقدان المعلومات حول أماكنهم عودة معظم، إن لم يكن كل، الرهائن في بداية العملية
الإنجاز العسكري احتمال إسقاط الحكم السياسي والعسكري لحماس، لكن بكلفة باهظة ودون ضمان للنجاح إنجاز عسكري جزئي دون نزع سلاح كامل، لكنه يتضمن ضمانات أمنية عربية ودولية
التكاليف الاقتصادية عشرات المليارات من الشواكل سنويًا؛ أثر سلبي على الناتج المحلي الإجمالي التكاليف تتحملها جهات عربية ودولية
التبعات القانونية ستكون إسرائيل خاضعة لالتزامات قانونية بصفتها "قوة احتلال"؛ زيادة الدعاوى والإجراءات القانونية انخفاض المخاطر القانونية المترتبة على إسرائيل
التبعات الدبلوماسية تآكل اتفاقيات السلام؛ الابتعاد عن مسار التطبيع مع السعودية؛ خطر العقوبات الدولية فرصة للتطبيع مع السعودية واستعادة صورة إسرائيل دوليًا
التبعات الاجتماعية والسياسية ضغط متزايد على قوات الاحتياط وتوسّع في الانقسامات الاجتماعية؛ احتمال عودة الاستيطان الإسرائيلي في غزة دعم شعبي واسع، رغم الانتقادات من دوائر اليمين وتهديدات لاستقرار الائتلاف الحاكم

تحليل SWOT لخطة "مركبات جدعون"

نقاط القوة نقاط الضعف الفرص التهديدات
تعزيز صورة الردع الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر تكاليف بشرية كبيرة، بما في ذلك مقتل الرهائن إعادة تصميم نظام الحكم والأمن في غزة التورط في مستنقع طويل الأمد في غزة
إمكانية إسقاط البنية التحتية لحماس خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي إرسال رسالة ردع إلى المحور الإيراني تآكل العلاقات مع الولايات المتحدة وشركاء إقليميين
إعادة فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على غزة انقسام داخلي وتآكل الدعم الشعبي تقوية التنسيق الأمني مع دول عربية معتدلة تصاعد الغضب الشعبي العربي والإسلامي
فرصة للقضاء على قادة الصف الأول لحماس تدهور صورة إسرائيل عالميًا تعزيز موقع إسرائيل في مفاوضات ما بعد الحرب مخاطر قانونية دولية وتهم محتملة بجرائم حرب
إظهار الحسم والقدرة أمام المجتمع الإسرائيلي عبء اقتصادي ثقيل على الموازنة الإسرائيلية إضعاف قبضة حماس على المجتمع الفلسطيني تراجع فرص التطبيع مع السعودية ودول أخرى
استعادة الثقة بالجهاز العسكري والسياسي الإسرائيلي خطر تحول الخطة إلى احتلال دائم تهيئة بيئة سياسية لقيادة فلسطينية بديلة في غزة احتمال عزل إسرائيل دبلوماسيًا على نطاق واسع

تحليل SWOT للمقترح المصري بشأن غزة

نقاط القوة نقاط الضعف الفرص التهديدات
عودة الرهائن إخفاقات سابقة في الحكم الفلسطيني داخل غزة إعادة تشكيل الوضع في غزة فشل التنفيذ وتجدد الصراع
زوال حكم حماس في القطاع ضعف قدرة السلطة الفلسطينية على نزع سلاح حماس إعادة الإعمار ونزع السلاح تحت إشراف دولي توتر مع الدول العربية في حال تعثّر التنفيذ
استعادة الاستقرار ومنع الفوضى مخاطر التراخي الأمني وعودة حماس بناء تحالف إقليمي ضد إيران ومحور الإخوان المسلمين قيود على حرية العمل العسكري الإسرائيلي
شرعية دولية وصورة محسّنة لإسرائيل معارضة إسرائيلية لمسار الدولة الفلسطينية دفع حلول سياسية طويلة الأمد تراجع الالتزام الدولي
تقليل العبء العسكري والاقتصادي على إسرائيل تنسيق معقّد واستقرار بطيء تمكين الفلسطينيين المعتدلين ومكافحة التطرف عودة حماس إلى السلطة
تحييد حماس وتهميش المتطرفين
إمكانية نزع سلاح غزة ومكافحة التطرف
(Visited 348 times, 4 visits today)