مع انتهاء المواجهة العسكريّة بين "حزب الله" وإسرائيل بالتوصّل إلى اتفاق هدنة يرتكز إلى تطبيق القرار الأممي 1701 مع إضافاتٍ أخرى، وتمكّن إسرائيل من تحقيق الفصل بين جبهة غزّة وجبهة لبنان، اتّجهت الأنظار صوب سوريا، وذلك في ضوء تطوّرين رئيسيين. الأوّل هو الخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو في أعقاب الاتفاق اللبناني، والذي هدّد خلاله بشار الأسد بشكلٍ مباشر من مغبّة تمرير السلاح لـ "حزب الله" عبر الأراضي السوريّة، مُعتبرا أن الأسد "يلعب بالنار". والثاني هو الهجوم الكبير الذي شنّته فصائل المعارضة السوريّة على مواقع الجيش السوريّ في مدينة حلب وريفها، وهو الهجوم الذي انتهى بسيطرة هذه الفصائل على أجزاء واسعة من المدينة في زمن قياسيّ وغير متوقع. وقد نشر معهد دراسات الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب أول أمس تحليلا كتبته مديرة "برنامج الساحة الشماليّة" في المعهد، عالجت فيه موقع سوريا المُلتبس في الحرب متعدّدة الجبهات التي شهدتها المنطقة منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، وعلاقة نظام دمشق بـ "محور المقاومة" خلال العام الأخير. وقد ارتأيتُ ترجمة هذا التحليل لعدّة اعتبارات. أولا، أنه يُقدّم لمحة لما تراه الكاتبة مؤشراتٍ على التباعد والتوتر بين الطرفين، وهي مؤشرات تعكس، بحسبها، رغبة الأسد بالنأي عن النفس، وهي رغبة تُحرّكها بشكل رئيسي الحاجة للبقاء. ثانيا، أنه يُقدّم تسلسلا للخطوات العسكريّة والأمنيّة التي اتخذتها إسرائيل ضدّ "محور المقاومة" في سوريا، والتي ترى الكاتبة أن أحد أهدافها كان تعزيز ردع الأسد، وبالتالي تشجيعه على مواصلة سياسة ضبط النفس وفرض القيود على نشاط المحور في الأراضي السورية. وثالثا، وهو الأهم، أنه يُسلّط الضوء على جانب من التفكير الإسرائيليّ في هذا الملف الحسّاس، حيث ترى الكاتبة أنه قد يكون من المفيد تحقيق نوعٍ من الدمج بين جهود إسرائيل العسكريّة مع مبادرة سياسيّة أوسع تقودها الدول العربيّة السنيّة بدعمٍ روسيّ لتحقيق هدفٍ استراتيجيّ طويل الأمد يتمثّل في إضعاف إيران ووكلائها في المنطقة.

مُلخص:

على مدار العقد الماضي، عززت إيران وحزب الله وجودهما العسكري في سوريا كجزء من رؤيتهما المشتركة لخلق استمرارية إقليمية شيعية في المنطقة، واستخدام سوريا كمنصة للصراع ضد إسرائيل. ومع ذلك، منذ بداية حرب "السيوف الحديدية"، امتنع الرئيس السوري بشار الأسد عن التدخل المباشر في الحرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تقويض بقائه في السلطة وموقعه. كما قام الأسد مؤخرًا بتقييد نشاط الجماعات التابعة لـ"محور المقاومة" داخل أراضيه. هذه الخطوة، التي عمقت التوتر بين الأسد وتلك الجماعات، تسلط الضوء على التزامه بطموحاته الشخصية ومصالح سوريا الوطنية على حساب الرؤية الأيديولوجية واستراتيجية المحور. وفي ظل تصاعد العمليات الهجومية الإسرائيلية في سوريا، ينبغي على الدول العربية استغلال الزخم الحالي لتقليل اعتماد سوريا على إيران من خلال دمج العمليات العسكرية الإسرائيلية ضمن إطار خطة سياسية إقليمية.

منذ عام 2016، عززت إيران وحزب الله وجودهما العسكري في سوريا كجزء من رؤيتهما المشتركة لإنشاء استمرارية إقليمية شيعية في المنطقة وجعل سوريا ساحة إضافية للعمليات والنفوذ. في سيناريو صراع مباشر بين إسرائيل والجماعات التابعة لـ "محور المقاومة"، وبالتأكيد في سيناريو حرب متعددة الجبهات، كان من المتوقع أن تكون سوريا إحدى هذه الجبهات، نظرا لقربها الجغرافي من إسرائيل ووجود قوات موالية لإيران تعمل فيها ومنها. ومع ذلك، منذ بداية حرب "السيوف الحديدية"، امتنع الرئيس السوري بشار الأسد عن التدخل المباشر في الحرب التي يخوضها "محور المقاومة". الأسد، الذ تمكّن من البقاء في السلطة رغم الحرب الأهليّة الدمويّة المستمرّة حتى الآن، قرّر عدم المخاطر بموقعه أو التضحية ببلاده لصالح حركة حماس، التي كان قد قطع علاقاته معها في بداية الحرب الأهليّة السوريّة، رغم أن الطرفين تصالحا في عام 2022. قد يؤدي تفضيل الأسد للاعتبارات الداخلية على الالتزام بمحور المقاومة إلى مزيد من تقييد حرية عمل جماعات المحور في سوريا وتعميق التوتر معها.

من المحتمل أن بعض أعضاء "محور المقاومة" قد أبدوا استياءهم من قرار الأسد بالابتعاد عن الحرب ضد إسرائيل منذ بدايتها. حتى وإن لم يتخذ الأسد إجراءات مباشرة بنفسه ضد إسرائيل، فقد كانوا يتوقعون منه على الأقل السماح لحزب الله والميليشيات الموالية لإيران بتنفيذ عمليات من الأراضي السورية طوال فترة الحرب. خلال العام الجاري، نُسبت بعض العمليات الهجومية المحدودة إلى مجموعات فلسطينية وشيعية، بما في ذلك "فرقة الإمام الحسين"، وهي ميليشيا إيرانية تضم آلاف المقاتلين الذين ينشطون ضد إسرائيل في سوريا في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، لم ينخرط الجيش السوري في أي عمل عدائي. ورغم التحالف القوي والمستمر بين أطراف المحور ، يبدو أن الأسد يعتبر أن هذا المحور -الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه "مدافع عن سوريا"- قد أصبح إلى حد كبير، خطرا عليها، خاصة في ظل الزيادة الحادة في الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية خلال الحرب بين إسرائيل وحماس وإسرائيل وحزب الله.

ظاهريًا، شكّل اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله نكسة كبيرة ليس فقط لحزب الله بل أيضًا لحليفته سوريا. يدين الأسد ببقائه في السلطة لإيران وحزب الله، اللذين حاربا المتمردين السوريين منذ عام 2012 وأقنعا روسيا بتقديم الدعم الجوي عندما تصاعدت التحديات العسكرية التي تواجه نظام الأسد. ومع ذلك، أثبتت أحداث العام الماضي أن التزام الأسد الحقيقي يكمن في البقاء في السلطة وليس بالضرورة تجاه المحور. من المرجح أن يؤدي غياب نصر الله إلى تعزيز هذا الاتجاه.

قد لا يكون من قبيل الصدفة أن الأسد تحدث بنبرة هادئة بعد مقتل نصر الله، قائلا: "نحن على يقين بأن المقاومة الوطنية اللبنانية (مع التأكيد على كلمة "الوطنية") ستواصل طريق النضال والعدالة في مواجهة الاحتلال وستواصل دعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل قضيته العادلة. سيظل الشهيد نصر الله في ذاكرة الشعب السوري رمزًا للوفاء ولقيادته للمقاومة الوطنية اللبنانية إلى جانب سوريا في حربها ضد أدوات الصهيونية، رغم الأعباء الثقيلة التي تحملها."

علاوة على ذلك، في غياب نصر الله، الذي كان يتمتع بعلاقة وثيقة مع الأسد لسنوات عديدة، ستجد إيران صعوبة في إيجاد شخصية أخرى ذات تأثير مماثل على الأسد. وهذا عامل آخر من المرجح أن يُباعد بين سوريا والمحور. بالإضافة إلى ذلك، بينما تعززت العلاقات بين إيران وروسيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، فمن الواضح أن روسيا تدعم تحركات سوريا للحدّ من حريّة إيران في العمل من أجل حماية النظام السوريّ.

القيود الأخيرة التي فرضها نظام الأسد على حرية عمل "محور المقاومة" تعكس تزايد التوترات بين النظام وإيران ووكلائها في سوريا:

1- في أكتوبر، أفادت العديد من التقارير أن الأسد حذّر "محور المقاومة" من أن الأعمال التي تنطلق من الأراضي السورية قد تجر سوريا إلى الحرب، مما يعرضه هو والبلاد للخطر. وقد بدأت بالفعل إجراءات على الأرض: أصدر النظام السوري أوامر وتوجيهات عسكرية لتقييد حرية حركة الميليشيات الموالية لإيران وحزب الله، بدءًا من جنوب سوريا بالقرب من مرتفعات الجولان، ثم امتدادًا إلى المناطق الريفية حول دمشق وحمص. كما عزز الأسد رقابة الجيش السوري وحضوره في المناطق التي كانت حتى وقت قريب مواتية لنشاط الميليشيات. يبدو أن روسيا، التي عملت لسنوات على استقرار النظام السوري، تدعم هذه السياسة. فقد عززت روسيا مؤخرًا نشاطها العسكري في جنوب سوريا، وأنشأت مواقع مراقبة جديدة وبدأت دوريات جوية.

2- كما أُفيد أن ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة المدرعة وشقيق الرئيس، منع وجود أفراد الميليشيات في قواعد الفرقة خوفًا من الهجمات الإسرائيلية. وفي ذات الشهر، وردت تقارير تفيد بأن الأسد كان يتخذ إجراءات نشطة لمنع الاشتباكات مع إسرائيل في مرتفعات الجولان، بما في ذلك منع الميليشيات الموالية لإيران من إطلاق الطائرات المسيرة ضد إسرائيل من الأراضي السورية.

3- عقب عمليات الاغتيال الإسرائيلية في سوريا، أفادت تقارير في أوائل عام 2024 أن مصادر إيرانية اتهمت أفرادًا في الجيش السوري بالتعاون مع إسرائيل والكشف عن معلومات حول وجود الإيرانيين.

4- وخلال الشهرين الماضيين، جرت تعيينات جديدة في النظام السوري والجيش (على ما يبدو تحت ضغط روسي). الأشخاص المعينون حديثًا يشتبه في ضعف ارتباطهم وولائهم لإيران، وهي خطوة قد تحد من نفوذ إيران في السياسة السورية. على سبيل المثال، تمت ترقية سهيل الحسن إلى قائد قوات العمليات الخاصة في الجيش السوري في أبريل الماضي، ليحل محل مضر حيدر المرتبط بإيران. يُعرف الحسن بأنه يحظى بدعم روسي وقد كان سابقًا قائدًا لـ"قوات النمر" (الفرقة 25 مهام خاصة) خلال الحرب الأهلية السورية.

المحفّز للتغيير: تصعيد الحملة الإسرائيلية ضد "محور المقاومة"

مع انتهاء القتال العنيف في قطاع غزة وإضافة هدف عودة النازحين من شمال إسرائيل إلى منازلهم (سبتمبر 2024) إلى أهداف الحرب، وسّعت إسرائيل عملياتها الهجومية في لبنان وسوريا بهدف تقليص قدرات حزب الله العسكرية وإعاقة جهوده لإعادة تسليح قواته في لبنان. أصبحت سوريا، التي تشكّل مركزًا جغرافيًا لمرور الأسلحة وقاعدة ملائمة لنشاطات المحور، مسرحًا رئيسيًا لهذه العمليات. تهدف الحملة الإسرائيلية عالية الكثافة إلى تعزيز الردع ضد الأسد، مما يشجعه على مواصلة سياسة ضبط النفس والقيود التي بدأ بفرضها على نشاط المحور في الأراضي السورية. تنخرط إسرائيل في ثلاث جهود رئيسية داخل سوريا:

الاغتيالات المستهدفة: كثّفت إسرائيل حملتها للاغتيالات المستهدفة التي تستهدف الأفراد الأساسيين في الحفاظ على الروابط بين سوريا وحزب الله ومحور المقاومة. تهدف هذه العمليات إلى تفكيك الهيكل القيادي وشبكات اللوجستيات التي يعتمد عليها المحور في عملياته. وعلى سبيل المثال، قُتل محمد جعفر قصير (المعروف بـ"الحاج فادي") في أكتوبر، وهو شخصية رئيسية تربط نظام الأسد بحزب الله. بصفته قائد الوحدة 4400، لعب قصير دورًا محوريًا في تنظيم نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، مما دعم بشكل مباشر تعزيز القدرات العسكرية لحزب الله. كما قُتل ذو الفقار حناوي، قائد فرقة الإمام الحسين، في أوائل أكتوبر. وكانت فرقته قد نقلت معظم قواتها إلى لبنان في بداية الصراع، حيث عملت بشكل وثيق مع وحدات حزب الله في جنوب لبنان. تورطت قوات حناوي بشكل كبير في الهجمات على إسرائيل، مستخدمة الأسلحة المضادة للدروع والطائرات المسيّرة والصواريخ. وكانت الفرقة أيضًا مسؤولة عن إطلاق طائرة مسيّرة متفجرة من الأراضي السورية في وقت مبكر من الحرب، والتي سقطت بالقرب من مدرسة في إيلات، مما يظهر مدى عملياتها ونواياها. أما محمود شاهين، الذي كان مسؤولاً عن عمليات استخبارات حزب الله في سوريا، فقد كان مكلفًا بتنسيق أنشطة تبادل المعلومات الاستخباراتية بين حزب الله والنظام السوري. وقد أدت تصفيته إلى تعطيل هذه الروابط الحيوية وإضعاف فعالية حزب الله العملياتية في المنطقة. تمثل هذه الاغتيالات المستهدفة جهدًا مدروسًا من قبل إسرائيل لتقويض التماسك الاستراتيجي والعملياتي لمحور المقاومة، مما يبعث برسالة واضحة حول المخاطر المترتبة على دعم أو تنفيذ أنشطة عدائية ضد إسرائيل.

تعطيل طرق إيصال الأسلحة: في 25 أكتوبر، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية هدفًا لحزب الله بالقرب من طريق بيروت-دمشق السريع، وتحديدًا على الجانب اللبناني من معبر الحدود الرسمي بين سوريا ولبنان (جديدة يابوس-المصنع). تسبب القصف في حدوث حفرة كبيرة جعلت الطريق الرئيسي غير صالح للاستخدام. واتهمت إسرائيل حزب الله باستخدام هذا المعبر الحدودي الرسمي لنقل الأسلحة والأفراد. وفي نوفمبر، نفذت إسرائيل سلسلة من الهجمات على المعابر الحدودية غير الرسمية بين سوريا ولبنان، وذلك كجزء من عملية استهدفت إلحاق الضرر بمقاطع الطرق المستخدمة في تهريب الأسلحة من قبل حزب الله. لم تقتصر تأثيرات هذه الهجمات على إعاقة عمليات التهريب، بل ألحقت الضرر الاقتصادي بحزب الله أيضًا، حيث كان يعتمد على هذه الطرق في أنشطة تهريب مربحة تشمل الأسلحة والمخدرات.

النشاط الإسرائيلي على الحدود: أفادت التقارير بأن إسرائيل بدأت في بناء تحصينات على طول حدودها مع سوريا داخل المنطقة منزوعة السلاح، وهو ما يعد خرقًا لاتفاق فصل القوات الموقع بعد حرب يوم الغفران. بدأ هذا العمل في أواخر سبتمبر ويشمل تعبيد طرق على طول الحدود في الخط ألفا الذي يحدد الحدود بين هضبة الجولان وسوريا. ومن المرجح أن السياج الذي تبنيه إسرائيل يحتوي على أجهزة استشعار مصممة لمنع الغزوات البرية.

إلحاق الأذى بوجود "محور المقاومة" في سوريا: في عام 2024 تكثفت جهود إسرائيل لمكافحة التوغل الإيراني في سوريا، وهو جزء من حملتها الممتدة لعقد من الزمن والمعروفة بـ "المعركة بين الحروب". وبحلول أكتوبر، نفذت إسرائيل 60 هجومًا في 2024 مقارنة بـ 40 هجومًا في 2023. ومن العمليات البارزة كانت الهجمة البرية التي نفذتها وحدة "شالداغ" التابعة للجيش الإسرائيلي في سبتمبر على موقع لإنتاج الصواريخ في بلدة مصياف. ركز الهجوم على المنشأة العسكرية السورية للبحوث والصناعة، المعروفة رسميًا باسم "مركز الدراسات والبحوث العلمية"، الذي يحتوي على مصنع تحت الأرض شيدته إيران لإنتاج صواريخ دقيقة لحزب الله. كانت هذه العملية معقدة وخرجت عن النمط المعتاد للهجمات الجوية للجيش الإسرائيلي في سوريا. وقد تأجلت العملية بسبب مستوى المخاطرة العالي، ولذلك يمكن الاستنتاج أن المضي قدمًا في الهجوم يعكس تحولًا في مجموعة الاعتبارات واستعدادًا أكبر لتحمل المخاطر.

بالإضافة إلى ذلك، وتحديدا بعد تبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران، بدأ الجيش الإسرائيلي في استهداف كتائب الرادار ومواقع الحرب الإلكترونية في جنوب سوريا. كانت تلك هذه الهجمات تهدف إلى توفير مساحة للمناورة لسلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف محور المقاومة والاستعداد لهجوم إيراني محتمل آخر. في نوفمبر، على سبيل المثال، نفذ سلاح الجو هجومًا في منطقة حلب-إدلب شمال غرب سوريا. وأفادت التقارير أن إسرائيل لم تعد بحاجة للاعتماد على الأجواء الأردنية بعد أن استخدمت الأجواء فوق مناطق حوران ودرعا-سويدا في جنوب سوريا. كما تم الإبلاغ عن أنه لم يبقَ أي من أنظمة الدفاع الجوي السورية في المنطقة بعد أن دمرت إسرائيل خمس منشآت رادار قبيل هجومها على إيران في 26 أكتوبر. يُعتقد أن الضربة التي استهدفت المجمع العسكري-الصناعي في السفيرة، الواقع جنوب حلب، كانت موجهة إلى مقر قوات الرضوان التابعة لحزب الله ومنشآت الوحدة اللوجستية الإيرانية المسؤولة عن نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان.

الأهمية

إن تركيز الأسد الأساسي على البقاء، والذي منعه من الانضمام إلى الحرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل، من المرجح أن يستمر في تشكيل سياسته المستقبلية تجاه كل من إسرائيل وإيران. إن القضاء على قيادة حزب الله وتصعيد العمليات العسكريّة للقوات الإسرائيلية في سوريا يُرسل إلى الأسد رسالة مفادها أن إسرائيل مستعدة لتحمل مخاطر كبيرة لتغيير التوازن الاستراتيجي على حدودها الشمالية. أدت هذه التطورات إلى إدراك الأسد أنه لا يمكن لسوريا أن تواصل كونها ساحة للصراعات بين قوى المحور كما كانت في العقد الماضي. ولحماية موقعه وداعميه وأصوله، يجب على الأسد أن يقيد حرية عمل إيران وحزب الله داخل الأراضي السورية، حتى وإن كان ذلك مؤقتًا.

يكمن تحت التوتر بين سوريا و"محور المقاومة" عملية تطبيع جرت بين سوريا والدول العربية الأخرى في السنوات الأخيرة. بعد عقد من قطع العلاقات، جددت معظم الدول العربية السنية علاقاتها الدبلوماسية مع الأسد، الأمر الذي بلغ ذروته في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية عام 2023. على الرغم من أن هذا التطبيع كان في الغالب رمزياً - من خلال فتح السفارات - إلا أنه لم يسفر عن أي تأثير عملي على الأرض ولا عن أي تنازلات جوهرية من الأسد بشأن القضايا الرئيسية مثل وجود إيران في سوريا، أزمة اللاجئين، أو تهريب المخدرات غير القانونية مثل الكبتاغون.

الاستثناء الوحيد هو الإمارات العربية المتحدة، التي زادت من نشاطها المدني والاقتصادي في سوريا في السنوات الأخيرة، جزئياً لتقليل اعتماد سوريا على إيران. قد تشير سياسة الحذر الحالية لدى الأسد إلى سياسة محسوبة لإبعاد سوريا عن "محور المقاومة" والتقارب بشكل أكبر مع الدول العربية السنية، مع إشارة حتى إلى تحول نحو إسرائيل. ومع ذلك، يجب أن يُنظر إلى هذه السياسة بتشكك، حيث أن الأسد انتهازي يعنى بشكل رئيسي بالبقاء في السلطة، وقد يكون هذا التغيير تكتيكياً ومؤقتاً فقط. إذا انتهت الحرب بين إسرائيل ووكلاء إيران وأزيلت التهديدات المباشرة لوضع الأسد، فقد يسمح مرة أخرى بأنشطة كبيرة من قبل "محور المقاومة" في سوريا ومن خلالها.

من القيود الأخرى التي تحول دون تغيير محتمل في موقف سوريا هو عمق الوجود الإيراني في سوريا. في السنوات الأخيرة، وسعت إيران نفوذها في سوريا ليس فقط عسكريًا ولكن أيضًا في المجالات المدنية والثقافية. فقد أسست مؤسسات تعليمية وخدمية، وأعادت بناء البنية التحتية، وأنشأت مراكز دينية شيعية، إلى حد أنه سيكون من الصعب على سوريا قطع علاقاتها مع إيران. ومن خلال إدراكها لأهمية سوريا الاستراتيجية، ستبذل إيران بلا شك جهودًا كبيرة لمنع الأسد من تطوير علاقات أوثق مع الدول العربية السنية. الزيارات المتكررة إلى سوريا من كبار المسؤولين الإيرانيين في نوفمبر -بما في ذلك زيارات وزير الخارجية، ورئيس البرلمان، ومستشار المرشد الأعلى، ووزير الدفاع- تشير إلى محاولة لتقليل التوتر بين البلدين.

ومع ذلك، قد يكون هناك نافذة مفتوحة للفرص. قد تتماشى قيود الأسد على نشاط "محور المقاومة" بشكل جيد مع الجهود العسكرية الإسرائيلية في العقد الماضي -خصوصًا منذ هجمات إسرائيل على حزب الله في لبنان في سبتمبر 2024- للقضاء على وجود المحور في سوريا. على الصعيد السياسي، يمكن للدول العربية السنية التي طبّعت علاقاتها مع نظام الأسد أن تستفيد من الزخم الحالي لزيادة الضغط على الأسد لزيادة إجراءاته ضد المحور. الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، قد تكون لاعبًا رئيسيًا في الجهود الرامية إلى تحرير سوريا من قبضة إيران. إذا لم يغير الأسد مساره واستمر في دعم المحور، يجب على إسرائيل تجديد تهديداتها وتصعيد الضغط العسكري على نظامه. مثل هذه الإجراءات يمكن أن تدمج جهود إسرائيل العسكرية مع مبادرة سياسية أوسع تقودها الدول العربية السنية -ربما بدعم روسي أيضاً- تهدف إلى تحقيق هدف استراتيجي طويل الأمد يتمثل في إضعاف إيران ووكلائها في المنطقة.

(Visited 238 times, 4 visits today)