نقلت وسائل إعلام إسرائيليّة أول أمس تقارير عن نيّة الولايات المتحدة نشر منظومة الدفاع الجويّ الصاروخي "ثاد" في إسرائيل للمساعدة في اعتراض التهديدات المحتملة من الصواريخ البالستيّة الإيرانيّة، وذلك في ضوء تحضيرات تل أبيب لشنّ هجومٍ على إيران قريبا. إذاعة الجيش الإسرائيلي قالت إنّ الجيش الأمريكي سيضع بطارية واحدة فقط من نظام "ثاد" في إسرائيل، فيما أفادت القناة 12 بأنّ المنظومة سيجري تشغيلها من قبل القوّات الأمريكيّة، وقد أكد "البنتاغون" يوم أمس هذه التقارير. هنا بعض الملاحظات والمعطيات.

  • حتى يكون نظام الدفاع الجويّ فعالا، فإنّه يجب أن يُحقّق مجموعة من الاشتراطات الرئيسيّة، وعلى رأسها شرط التكامل. ومعنى ذلك ببساطة أنّ يكون هذا النظام مؤلّفا من مجموعة طبقات تُكمّل بعضها بعضا، بحيث تختص كلّ طبقة منه بنوعٍ مُحدّد من التهديدات. تمتلك إسرائيل نظام دفاعٍ جويّ مُتكامل وهو مؤلف من طبقات ثلاث هي: "القبّة الحديدية" للتعامل مع الصواريخ قصيرة المدى (وله نسخة بحريّة جرى تركيبها على طرّادات ساعر 6)، و"مقلاع داود" للتعامل مع الصواريخ متوسطة المدى، و"السهم" للتعامل مع الصواريخ بعيدة المدى. كما تمتلك إسرائيل أيضا نظام "باراك" الذي طورته بالشراكة مع الهند، وهو نظام يمثّل بذاته منظومة دفاع جويّ متكاملة، أي أنّه يتعامل مع تهديدات من مختلف الأمدية. يُضاف إلى كل هذه الطبقات بطبيعة الحال، الطبقة التي يوفرها سلاح الجو الذي يقوم أيضا باعتراض المسيرات والصواريخ البالستيّة.
  • منظومات الدفاع الجويّ الإسرائيليّة هي مُحصّلة للبرنامج الدفاعيّ الضخم الذي أطلقه الرئيس الأمريكيّ رونالد ريغان عام 1983، وهو البرنامج الذي أطلق عليه مُنتقدوه اسم "حرب النجوم" آنذاك، واعتبر الإعلان عنه بمثابة تحوّل استراتيجيّ في سياسة الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة وخروجا عن عقيدة الردع النووي المتبادل التي كانت تحكم الصراع مع الاتحاد السوفييتي. برنامج ريغان فتح الباب أمام الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة لتُصبح شريكة كاملة لنظيرتها الأمريكيّة في تطوير منظومات الدفاع الجويّ المتقدّمة، وكانت منظومة "السهم" أوّلى ثمرات هذا التعاون المشترك، حيث جُرّبت النسخة الأولى منه بنجاح في الأعوام 1992-1994 ودخل الخدمة فعليّا عام 2000. وفي أعقاب ذلك، توالى تطوير وتفعيل المنظومات الأخرى كـ "القبّة الحديديّة" و"مقلاع داود"، والتي تُنتج اليوم ضمن شراكاتٍ بين المؤسسات العسكريّة الإسرائيليّة والأمريكيّة.
  • نقطة التحوّل بالنسبة لمؤسسات الدفاع الإسرائيليّة كانت الهجوم الإيرانيّ على منشآت النفط التابعة لشركة "أرامكو" في شرق السعوديّة في أيلول/سبتمبر، حيث أن ذلك العمل أطلق ورشة داخل تلك المؤسسات من أجل التدرّب على سيناريوهات مشابهة، تتعرّض فيها إسرائيل لهجوم يكون مزيجا من الطائرات المسيّرة والصواريخ المُجنّحة والصواريخ البالستية. وفي نهايات العام 2020، قامت مؤسسة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية بالتعاون مع نظيرتها الأمريكيّة، ولأوّل مرة في تاريخ الدولة الصهيونية، باختبار منظومات الدفاع الجويّ المتكاملة بطبقاتها الثلاث من أجل محاكاة هجوم كبير. وذلك للتأكد من قدرة هذه الطبقات، براداراتها وأجهزة القيادة والسيطرة خاصتها، على العمل بشكلٍ متزامن، ومن أجل منح المهندسين الإسرائيليين الفرصة لاكتشاف ثغرات النظام المُدمج وتطوير ما يمكن تطويره فيها.
  • هذه ليست المرّة الأولى التي ينشر فيها الجيش الأمريكيّ بطاريّة من منظومة "ثاد" في إسرائيل، فقد سبق أن قامت القيادة العسكريّة الأمريكيّة في أوروبا (يوكوم) بإرسال بطارية من المنظومة رفقة 250 ضابط وجنديّ وذلك لمدة شهر كامل عام 2019، وذلك من أجل تدريب 150 من جنود الاحتياط التابعين لسلاح الجو الإسرائيلي على التعامل معها، مع العلم أن الرادار التابع للمنظومة كان موجودا في إسرائيل قبل عقدٍ من ذلك التدريب. وفي واقع الأمر، فقد بدأ الجيشان الأمريكي والإسرائيلي منذ العام 2001 تمرينا تحت اسم "Juniper Cobra" هدفه الرئيسيّ التدرّب على سيناريو هجماتٍ بالصواريخ البالستيّة على إسرائيل، وقد كانت النسخة الأولى من التمرين مُخصّصة لمحاكاة هجومٍ عراقيّ بصواريخ "سكود" على مفاعل ديمونا النووي في النقب. يُعقد تمرين "Juniper Cobra" مرّة كل عامين، وهو يجمع بين المحاكاة الحاسوبية لتشغيل نظام دفاع جويّ متكامل يجمع بين الأنظمة الأمريكية والإسرائيليّة معا، واختبار فاعليّة هذه المنظومات من خلال التجربة بالذخيرة الحية أيضا.
  • يُعد نظام "ثاد" أحدث أنظمة الدفاع الجوي لدى الولايات المتحدة، وهو مُخصّص للتصدّي للصواريخ البالستيّة قصيرة ومتوسطة المدى. جرى تطوير هذا النظام على يد شركة "لوكهيد مارتن"، وقد دخلت أولى بطاريات "ثاد" الخدمة في العام 2008. يمتلك الجيش الأمريكيّ سبع بطاريّات من "ثاد"، وفي العادة تضم بطارية "ثاد" 6 قاذفات للصواريخ بإجمالي 48 صاروخاً. لا تحتوي صواريخ الاعتراض في المنظومة على رأس متفجّر مثل الكثير من الصواريخ الاعتراضية في منظومات الدفاع الجويّ الأخرى، لكنها تعتمد في اعتراض الأهداف المُعادية على الطاقة الحركية، أي الاصطدام بالهدف خلال طيرانه بسرعة كبيرة وتدميره. يُعتبر نظام "ثاد" النظام الوحيد في ترسانة الجيش الأمريكيّ الذي يستطيع اعتراض الصواريخ البالستية خارج وداخل الغلاف الجويّ. في العام 2022، طلب الجيش الأمريكي من شركة "لوكهيد مارتن" إنتاج بطارية ثامنة من المنظومة، ومن المتوقع أن تنجز أن تدخل هذه البطارية الجديدة الخدمة العام المقبل.
  • يوحي إرسال منظومة "ثاد" الأمريكيّة إلى إسرائيل والأخيرة على أعتاب هجوم على إيران بأن الأمريكيين والإسرائيليين يقدّرون بأن إيران ستردّ على هذا الهجوم المحتمل، أكان من أراضيها مباشرة أو من خلال حزب الله في لبنان، وهذا أحد العوامل التي تُفسّر التأني الإسرائيلي في الهجوم، أي الحصول على المزيد من الوقت لتمتين الدفاعات الجويّة ورفع مستوى الاستعدادات. كما أن نشر هذه المنظومة يأتي في سياق الرسائل الأمريكيّة الردعيّة لإيران والتي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي واتخذت أشكالا مختلفة ناعمة وخشنة. نجح الهجوم الصاروخيّ الإيراني في الأول من أكتوبر/تشرين أول الماضي في إصابة قاعدتي "تل نوف" و"نيفاتيم"، لكنّ هذه الهجمات لم تؤثر على ما يبدو على القدرة العملياتية لسلاح الجو الإسرائيلي. الرد الإيراني على أي هجوم إسرائيلي محتمل سيكون مرهونا بطبيعة ونطاق الهجوم الإسرائيلي ومدى تأثيره على المقدّرات العسكريّة أو الاقتصاديّة الإيرانيّة، كما قد يتأثر أيضا بالسياقات السياسية والدبلوماسيّة المحيطة، والتي تلعب فيها الولايات المتحدة دورا رئيسيا.
  • ولد برنامج الصواريخ البالستيّة الإيراني من رحم الحرب مع العراق، وذلك حين بدأ الجيش العراقي بقصف المراكز الحضريّة الإيرانية أواسط الثمانينيّات فيما عُرف آنذاك بـ "حرب المدن". شعرت إيران حينها بالحاجة للحصول على سلاح صواريخ يتيح لها ضرب العمق العراقي، وقد حصلت على المساعدة في هذا المضمار من عدة بلدان منها سوريا وليبيا وكوريا الشمالية، قبل أن تبدأ تجاربها في الهندسة العسكريّة لتوطين صناعة خاصة بها. تنظر إيران إلى ترسانتها البالستيّة كسلاح ردع من الدرجة الأولى هدفه دفع المهاجمين للتفكير مرتين قبل الإقدام على الهجوم أو تدفيعهم ثمنا باهظا حال الهجوم. من الصعب تقدير حجم ونطاق ودقّة الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل في حالة الحرب الشاملة، لكن فشل هذه الهجمات في شل سلاح الجوّ الإسرائيليّ قد يكون نقطة ضعفها الرئيسيّة بغضّ النظر عن حجمها.
(Visited 283 times, 17 visits today)