لا تزال أخبار الصراع المُسلّح في السودان تحظى بمساحةٍ كبيرةٍ من تغطيات الصحافة العربيّة والدوليّة بعد دخول القتال بين الجيش السودانيّ وقوّات الدعم السريع أسبوعها الثالث. وبالنظر للشحّ الكبير في المعلومات الواردة من هناك عن أوضاع جبهات القتال وعن مساحات تقدّم أو سيطرة الطرفين المُتحاربين، فقد تركّزت أغلب التغطيات الصحافيّة خلال هذا الأسبوع على إجلاء الرعايا العرب والأجانب من البلاد، وعلى أزمة النزوح السودانيّ التي بدأت بالتفاقم تدريجيّا مع تسجيل وكالات الأمم المتحدة المختصّة زيادة في أعداد اللاجئين السودانيين إلى بلدان الجوار كتشاد ومصر، أو إلى مناطق داخل السودان بعيدة عن مناطق الاقتتال.

للوهلة الأولى، قد تبدو عمليّات الإجلاء من بلدٍ يعيش حالة النزاع الداخليّ المُسلّح، أقرب إلى حملات الإغاثة الإنسانيّة، أو هكذا يُخيّل للمرء بسبب تركيز الإعلام غالبا على "الجانب السلميّ" لهذه المساعي، وعلى القصص الإنسانيّة المأساويّة المشحونة بالعاطفة التي تبرز خلالها بكثرة. لكن نظرة أكثر عُمقا على هذه العمليّات، وتحديدا عندما يتعلّق الأمر بإجلاء رعايا الدول الغربيّة التي لها ماضٍ طويلٍ من التدخلات في الحروب الأهليّة والتمردات الداخليّة في بلدان العالم، تكشف أنها أقرب للعمليّات العسكريّة الخاصّة، حيث تُستخدم خلالها السفن الحربيّة والقواعد العسكريّة وطائرات الشحن الضخمة ناهيك عن الفرق المتعدّدة من جواسيس أجهزة الاستخبارات ووحدات النخبة في الجيوش الغربيّة.

ورغم أنّ عمليّات الإجلاء من السودان، أو أيّ بلدٍ يتعرّض لمحنة من نفس النوع، تبقى مسألة ضروريّة لحماية الآلاف من المدنيين من طلبةٍ وعائلاتٍ وسيّاح وجدوا أنفسهم في وضعٍ خطر لا ناقة لهم فيه ولا جمل، إلا أنّ المرء لا يملك سوى شعور الحزن والألم عندما يقرأ الأخبار عن مسارعة الدول المُختلفة لإجلاء رعاياها من هناك. فتفريغ بلدٍ من آلاف الناس الذين شكّلوا جزءا من نسيجه الروحي وخاضوا تجارب إنسانيّة مع أهله وراكموا ذكرياتٍ بالتفاعل اليوميّ الحي مع مدنه وقراه وشوارعه هو أشبه بعمليّة بترٍ لرئة من رئتي البلد المُضيف، فالبلدان لا تتنفّس وحسب من خلال تجربة أهلها، وإنما أيضا من خلال الروافد الإنسانيّة التي تتدفّق إليها من الخارج حاملة معها أكسجينا من نوعٍ آخر.

وعلاوة على ذلك، فإنّ عمليّات الإجلاء الكبيرة هذه، رغم مبرراتها المُحقّة، لا تستطيع منع المرء بالإحساس بالطعم المر لشعورٍ التخلّي الذي قد يعيشه أهل البلد المُخلى وهم ينظرون إلى السفن الضخمة التي تغادر الموانيء، كأنها تقول لهم: ها قد أرحناكم من عبء الضيوف، بإمكانكم أن تقتتلوا الآن سويّا بدون أن تشعروا بالحرج من الغريب وبدون أن تخضعوا لمؤثراتٍ خارجية قد تضع لكم كوابح ماديّة ومعنويّة في طريق إفنائكم لأنفسكم. ويُفاقم من هذا الشعور حقيقة أن من يجري إجلاؤهم هم أناسٌ محظوظون بالضرورة: دبلوماسيون ومواطنون تحرص بلدانهم على حياتهم ومواطنون سوادنيون لديهم أقارب في الخارج يستطيعون استضافتهم أو يملكون ما يكفي من الموارد الماليّة ليبدأوا حياة جديدة في الخارج حتى إشعارٍ آخر يأتيهم من بلدهم. أما الغالبية العظمى فتبقى قابعة بلا خيارات كثيرة في غابة الموت والخوف، بينما تُلقي أنواء العاصفة بالأكثر استضعافا والأقل حظّا إلى مخيّماتٍ بائسة لا تتحقق فيها أدنى شروط العيش البشريّ، مخيماتٌ قد تصبح وطنهم الجديد الذي سيضطرون مُرغمين للتعوّد عليه.

ركّزت النشرة هذا الأسبوع على أزمة النزوح من السودان، وعلى عمليّات الإجلاء، وتحديدا التي تخصّ مواطنين غربيين لتسلّط الضوء على الأبعاد المختلفة لهذا النوع من العمليّات، خاصّة البعد الامني والعسكريّ. وبخلاف ذلك، فقد تضمّنت النشرة لهذا الأسبوع طائفة متنوعة من الموضوعات مدعمة بالصور البيانيّة عن الإنفاق العسكريّ في القارّة العجوز، وعن التهديد الذي تمثله شركة "آبل" الأمريكيّة لقطاع البنوك، وعن تأثير تطبيقات الذكاء الصناعي على الموارد المائيّة لكوكبنا. كما احتوت النشرة أيضا على مقالٍ مطوّل وشيّق ومهم عن تاريخ "علم البيانات" منذ ما يزيد عن مائة عام وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى ملفٍ يبحث ظاهرة قطاع التمويل غير الرسمي في الأردن وضحاياه الذين غرقوا في دوّامة الديون.

بإصدار هذا العدد تكون النشرة قد أكملت شهرها الثاني بدون توقف، غطّت خلالهما كوكبة واسعة من القضايا العربيّة والدوليّة والموضوعات النوعيّة في مجالات السياسة والاقتصاد والتقنيّة والثقافة. كما قدمت النشرة خلال هذه المدّة مجموعة من الهدايا المتنوّعة للقرّاء، كان آخرها الهديّة التي تضمنها العدد السابق احتفالا بعيد الفطر السعيد. أودّ استغلال هذه الفرصة لشكر القرّاء الذين رافقوا النشرة منذ عددها الأوّل، وآمل أنني قد كنت عند حسن ظنهم، كما أتمنى عليهم أن يزودوني بأي مقترحاتٍ أو أفكار أو انتقاداتٍ قد تفيد في تطوير هذه المادّة الدوريّة وإغنائها، وأن يشاركوا النشرة مع أصدقائهم ومعارفهم.

هُنا قناة “تليغرام” الخاصة بالنشرة، وهُنا حسابي على موقع “تويتر”. الأعداد السابقة من النشرة: العدد الأول، العدد الثاني، العدد الثالث، العدد الرابع، العدد الخامس، العدد السادس، العدد السابع.

ديسكليمر: ستضمّ النشرة تحليلاتٍ وتقارير موسّعة ومقالات، وهي لن تُركّز على قضايا وملفّات بعينها، ولن تنتظم تبعا لتصنيفاتٍ جامدة، فما أقدمه هو مجرّد دعوة لمرافقتي في القراءة الحرّة التي أقوم بها عبر الإنترنت كأيّ شخص آخر لا أكثر ولا أقل. لأسبابٍ يطول شرحها، ستكون غالبية مادة النشرة من مواقع أجنبيّة، وسأحرص بطبيعة الحال على أن تكون المواد العربيّة حاضرة دوما، وظنّي أن إمكانيّات “جوجل ترانسليت” أصبحت متقدّمة بما يكفي لمساعدة جميع القرّاء على الإحاطة بالمواد المنشورة بالإنجليزيّة. سيكون جزءٌ من مواد النشرة من مواقع أو صحف تتطلّب اشتراكات ماليّة، لكنني سأحرص على أن يكون هنالك موادٌ من مواقع مفتوحة، وسأكون سعيدا بمشاركة المواد التي تتطلّب اشتراكا مع من يرغب بها عند الطلب. يُسعدني استقبال مشاركاتكم/ن وأفكاركم/ن ومقترحاتكم/ن وهداياكم/ن وشتائمكم/ن ودعمكم/ن المالي والمعنوي وعروض التوظيف المُجزية على العنوان البريدي: [email protected]

سياسة إقليميّة ودوليّة: 

  • في صحيفة "الشرق الأوسط"، تقريرٌ مهم عن التبعات المترتبة على استمرار الصراع المسلّح في السودان على بلدان الجوار الإقليمي. بحسب التقرير يتمثّل أكبر مخاوف الدول السبع التي تجاور السودان في أزمات النزوح الجماعي نحو أراضيها، حيث ستزيد موجات النزوح هذه، الضغوط على البنى التحتيّة المتآكلة، وستفاقم من الاضطرابات الاجتماعيّة والأزمات الاقتصاديّة التي تعيشها هذه البلدان. التقرير يشير إلى أن مصر تستضيف ما يقارب من 5 مليون لاجيء سوداني بينما يعيش 580 ألف لاجيء سوداني في تشاد، وقد وصلها خلال الأيام القليلة الماضية حوالى 20 ألف لاجئ إضافي. أما جنوب السودان، فتتمثل مخاوفها الرئيسيّة في تعطّل تصدير إنتاجها النفطي البالغ 170 ألف برميل يومياً عبر خط أنابيب يمر من خلال أراضي جارتها الشمالية، ومن موجة نزوحٍ عكسيّ من لاجئي جنوب السودان الذين سبق لهم الهرب شمالا خلال سنوات الحروب الأهلية، ويبلغ عددهم حوالى 800 ألف لاجئ. وبحسب التقرير فإن الصراع المسلّح يمثّل "قنبلة إقليمية موقوتة"، حيث يمكن أن يدفع باتجاه إعادة تموضع جماعات إرهابية ومتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير الشرعية، وتنشيط عمل عصابات الجريمة المنظمة، وهذه الآثار ستطال حتما الدوائر الإقليميّة، خاصة أن السودان يربط بين القرن الأفريقي ودول الساحل وجنوب الصحراء، كما أنه يرتبط بالأمن الإقليمي للبحرين الأحمر والمتوسط.
  • في موقع "بي بي سي" بالإنجليزيّة، لقاء مدعم بصور الأقمار الصناعية، مع فيليب إنغرام، الضابط السابق في الاستخبارات العسكريّة البريطانيّة، يشرح فيه البروتوكول الذي تتبعه بريطانيا لإجلاء رعاياها، وتحديدا الدبلوماسيين منهم، من مناطق الحروب والنزاعات، مع تركيزٍ على الحالة السودانيّة. يقول إنغرام أن مسألة التحضير والإعداد لخطة الإجلاء ومناقشتها مع الدول الحليفة تعد ركنا رئيسيّا في هذا النوع من العمليّات، لأنّ قيام دولة بإجلاء دبلوماسييها بشكل فجائي وبمعزلٍ عن شركائها الدوليين، قد يعرّض دبلوماسيي البلدان الأخرى العالقين في البلد المعني لمخاطر استهدافهم بالقتل أو الاحتجاز كرهائن. في المرحلة الثانية، بحسب إنغرام، يقوم ضابطُ من الأركان المشتركة بزيارة السفارة في البلد المعني محافظا على عامل المفاجأة لإنجاز ترتيبات الإجلاء، وبالتزامن مع ذلك تنقل الطائرات واللوجستيات المطلوبة للعملية إلى مكانٍ قريب (في حالة السودان جرى تنسيق الجهد اللوجستي من خلال قاعدة سلاح الجو الملكيّ جنوب جزيرة قبرص)، مرجحا أن هذه العملية جرت بالتنسيق مع وكالات الولايات المتحدة وفرنسا، حيث استخدمت طائرات هيليكوبتر من طراز "شينوك" تابعة للجيش الأمريكي للوصول إلى الخرطوم. أما المرحلة الأخيرة، طبقا للضابط، فتتضمن تجميع الدبلوماسيين وعائلاتهم في مكانٍ واحد قبل نقلهم بشكلٍ سريّ إلى "نقطة الخروج". بحسب "بي بي سي"، فقد نفّذ عملية الإجلاء 1200 عنصر من القوّات الجويّة الخاصة، وقد كان مطار "وادي سيّدنا" شمال الخرطوم النقطة التي غادر منها الموظفون البريطانيون وذلك عبر طيارة نقل عسكريّة من طراز A400M. وللاستزادة، تقريرٌ عن عمليّات إجلاء الرعايا الأمريكيين في السودان والقطع العسكريّة الأمريكيّة التي شاركت فيها.
  • في موقع قناة "فرانس 24"، تقريرٌ عن حرب المعلومات والتضليل على مواقع التواصل الاجتماعي بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع. يشير التقرير إلى أنه مع بدء القتال في السودان يوم 15 نيسان/أبريل، لجأ الطرفان لاستخدام وسائل التواصل من أجل بثّ بياناتٍ وصور مُضلّلة لتعزيز صورة إنجازاتهما في المعارك وذلك من خلال استخدام حساباتٍ وهميّة. يرى التقرير أنه بينما يستخدم الجيش تكتيكات دعاية قديمة، فإنّ أداء الحسابات الداعمة لقوّات الدعم السريع، وتحديدا تلك التي تُنشر باللغة الإنجليزيّة تُشير إلى أنّ قوات الدعم السريع تستفيد من خدمات خبراء في مجال الصورة والتواصل الإلكترونيّ. يُشير التقرير إلى الفريق أوّل محمد حمدان دقلو (حميدتي) اهتم بشكلٍ خاص بصورته في الدوائر الغربيّة وعلى منصّات التواصل، حيث وقّع في أيار/مايو 2019 عقدا قيمته ستة ملايين دولار مع شركة العلاقات العامة والاستشارات "ديكنز أند مادسون" في مونتريال، بإدارة رجل الأعمال الإسرائيلي-الكندي آري بن ميناشي. وقد نصّ هذا العقد على أن تقوم الشركة بـ"حملات ضغط مع قادة في السلطات التنفيذية و/أو التشريعية الأميركية والسعودية والروسية"، إضافة الى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمات أخرى.
  • في "فايننشال تايمز" تقريرٌ موسّع عن عائلة يفغيني بريغوجين رئيس مجموعة "فاغنر" الروسية المسلحة الخاصة، وعن والدته التي كسبت دعوى قضائيّة مؤخرا أمام المحكمة الأوروبية في لوكسمبرغ لرفع العقوبات المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي. التقرير يُسلّط الضوء على جانبٍ من الشبكة المعقدة للشركات والمؤسسات التي يملكها بريغوجين، وعن استخدام أفرادٍ من عائلته للتهرّب من العقوبات والملاحقة. كما يُسلّط التقرير الضوء على جانبٍ من حياة بنات بريغوجين المولعتين برياضة ركوب الخيل، وعن والدته المهتمة بالفنون، والتي افتتحت مؤخرا معرضا لأعمال الفنيّة في مدينة سان بطرسبورغ.
  • في موقع "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام"، تقريرٌ معلوماتيّ قصير عن اتجاهات الإنفاق العسكريّ حول العالم في عام 2022. بحسب التقرير، فقد وصل الإنفاق العسكريّ العالمي في العام الماضي حوالى 2240 مليار دولار، وشهدت القارّة الأوروبيّة على وجه الخصوص أعلى معدّل للإنفاق العسكريّ منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار جدار برلين، حيث بلغ حوالى 345 مليار دولار خلال العام الماضي. وجاءت فنلندا وليتوانيا والسويد وبولندا على رأس قائمة البلدان الأوروبيّة التي زادت نفقاتها العسكريّة في القارّة العجوز وذلك بسبب التغيّر الذي طرأ على البيئة الأمنية بسبب الحرب الأوكرانيّة. يُشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة والصين وروسيا احتلّت المراكز الثلاثة الأولى في قائمة أعلى معدّلات الإنفاق العسكريّ، حيث بلغ نسبة هذا الإنفاق للدول الثلاث مجتمعة 56% من إجمالي الإنفاق العالمي. وقد قادت التوتّرات السياسيّة والعسكريّة بين الصين والولايات المتحدة خلال السنة الأخيرة وفقا للتقرير لزيادة معدّلات الإنفاق العسكريّ في منطقة آسيا، حيث بلغت قيمتها 575 مليار دولار خلال العام الماضي بزيادة مقدارها 2.7% عن العام 2021 و45% عن عام 2013.
  • في موقع "مدى مصر"، مقال لمحمود هدهود بعنوان "عن وهم السلطوية والتنمية في الصين"، يحلّل فيه جانبا من تاريخ الحزب والبيروقراطيّة الصينيين، مستخلصا أنّ النظام في الصين لا يُمكن النظر إليه كنظامٍ سلطويّ كلاسيكيّ قائم على حكم فردٍ واحد، وإنما على مجموعة مُعقدة ومتشابكة على محاور أفقيّة وجغرافيّة ومؤسسيّة بين الشبكات المحليّة للحزب الشيوعي وقياداته ودوائره المختلفة. وهذا الأمر، بحسب هدهود، ينعكس في حقيقة أن مؤتمرات الحزب الشيوعي ليست مؤتمرات صوّرية، وأن الترتيبات التي يعقدها رئيس الحزب مع محاسيبه قد لا تضمن بالضرورة الوصول إلى النتائج التي يريدها. يرى الكاتب أنّ فهم مسيرة التنمية الاقتصاديّة في الصين غير ممكن بدون رؤيتها كمولود خرج من رحم هذا الصراع والتوازنات الدقيقة داخل الحزب والدولة لا كقصّة لنجاح التكنوقراط بقيادة الزعيم الملهم. بالرغم من ذلك، يعتقد الكاتب أن الزعيم الصيني تشي جينبينج يمثل انقلابا على هذه المسيرة، حيث يسعى لتحويل الصين إلى دولة مركزيّة ومُطلقة الهيمنة على المجتمع لأول مرّة في تاريخها الحديث عبر تذويب الأقليّات في القوميّة الصينيّة الحديثة وتصفية الكثير من شبكات الحزب الشيوعي المناوئة لسياساته. يخلص هدهود في نهاية المقال إلى القول أنّه ليست هنالك عضويّة بين الديمقراطيّة والتنمية الاقتصاديّة، وإنه إذا كان للتجربة الصينيّة أن تُقدّم دليلا على أي فرضيّة فستكون فرضية أن السلطوية التي بإمكانها أن تقود التنمية ليست هي تلك السلطوية التي لا ترتبط بأي تحالفات اجتماعية تتفاعل مع مصالحها وتجسد التنمية التي تحلم بها الدولة.

اقتصاد: 

  • بعد إغلاق ألمانيا آخر ثلاث محطّات نوويّة في البلاد يوم السبت 15 نيسان/ أبريل، تكتب وزيرة البيئة والسلامة النووية الألمانية، ستيفي ليمكه، مقالا مُترجما للعربيّة في موقع "بروجيك سينديكيت" تدافع فيه عن هذا القرار. وتقدّم ليمكه في مقالها خمسة مبررات تراها مقنعة لهذا القرار. أول مبرر مرتبط بجعل ألمانيا مكانا أكثر أمنا من خلال تجنّب الكوارث النووية المحتملة كنتيجة للأخطاء البشريّة أو الكوارث الطبيعيّة أو الهجمات العسكريّة. أما المبرر الثاني فيتعلّق بضمان أن لا يكون لدى البلاد المزيد من النفايات النوويّة في المستقبل، إذ لا تزال ألمانيا بحسب الوزيرة بحاجة للتعامل مع إرث النفايات النوويّة خاصّة أنه لا يُوجد حتى الآن في أي مكانٍ في العالم مستودع نهائيّ لتخزين قضبان الوقود المُستنفذ بأمان. المبرر الثالث طبقا لليمكه متعلّق بحقيقة أن الطاقة النووية ليست صديقة للمناخ كما يروّج المدافعون عنها، حيث أن الحاجة الدائمة لتبريد المفاعلات النوويّة بالمياه تضع ضغوطا كبيرة على الأنهار وموارد المياه الأخرى، وتبرز هذه المشكلة بشكل أكبر اليوم بسبب انتشار موجات الجفاف في أوروبا وصعوبة الحصول على المياه. المبرر الرابع له علاقة بحسب الوزيرة بالتكاليف المالية لمشروعات الطاقة النووية، وخاصة حين تُؤخذ بعين الاعتبار تكاليف استخراج اليورانيوم وإدارة النفايات والتأمين. أما بالنسبة للمبرر الأخير، فهو كما تجادل الوزيرة، مرتبطٌ بعدم الحاجة للطاقة النووية في ظل وجود بدائل أقلّ ثمنا وأكثر أمنا مثل توليد الكهرباء من الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح.
  • في صحيفة "الاقتصاديّة" السعوديّة، تقرير موسّع مترجم للعربيّة من "فايننشال تايمز" عن الخدمات الماليّة التي باتت شركة "أبل" تقدّمها في الولايات المتحدة، وعن التحدّي الذي يمثله هذا الأمر للبنوك، وخاصة بعد أن أطلقت الشركة مؤخرا خدمة "إشتر الآن وإدفع لاحقا"، وخدمة حساب الإدخار بالتعاون مع بنك "جولدمان ساكس". يرى التقرير أنّ حجم شركة أبل يجعل حتى أكبر البنوك في العالم تبدو صغيرة، حيث هناك 1.2 مليار مستخدم لأجهزة آيفون التي تصنّعها الشركة، بينما حقّق قسم الخدمات الخاص بها لوحده أرباحا بلغت 55 مليار دولار في العام الماضي، وهي أكبر من أرباح بنكي "جي بي مورغان" و"سيتي" مجتمعة. ويشير التقرير، اعتمادا على تحليلات لتنفيذيين في القطاع البنكي الأمريكيّ، إلى أن شركة "أبل" وشركات التكنولوجيا الضخمة تمتلك اليوم ميزة تنافسيّة غير عاديّة في مجال الخدمات البنكيّة نظرا للموارد الهائلة التي تتمتع بها من البيانات عن المستخدمين وللروابط العميقة التي تملكها مع المستهلكين. يتحدّث التقرير كيف أن الشركة تتبنّى في الغالب استراتيجيّات بطيئة، ليس عبر عمليّات الاستحواذ المبهرة، ولكن عبر خطواتٍ تدريجيّة تمنحها ميزات مستدامة مع مرور الوقت. ويشير بشكلٍ خاص إلى خدمة "أبل باي" التي بدأتها الشركة عام 2014 حيث كان مستخدم واحد من عشرة مستخدمين لـ "أيفون" يستخدم الخدمة بحلول عام 2016، بينما بلغ معدّل التبني حوالى 75 بالمائة في عام 2022. كما يشير التقرير إلى أنه إذا نجح مشروع الشركة الأخير لجعل هاتف "الآيفون" قادرا على تلقيّ المدفوعات بطريقة من الأجهزة اللوحيّة المختلفة، فإنّ هذا التحوّل قد يُطيح بسوق أجهزة الدفع في الولايات المتحدة والذي تبلغ قيمته 48 مليار دولار.
  • في "وول ستريت" جورنال"، تقرير عن مساعي شركة "أمازون" الأمريكيّة لإطلاق خدمة الإنترنت الفضائي للمشتركين في برنامج Kuiper في غضون العامين القادمين. يشير التقرير إلى أنّ الشركة أحرزت تقدما كبيرا في المشروع الذي أطلقته قبل حوالى أربعة أعوام، إذ كشفت مؤخرا عن محطّات الهوائيات التي ستُستخدم ضمن المشروع، وقامت بحجز مجموعة من مركبات إطلاق الصواريخ الفضائيّة استعدادا لإطلاق 80 مهمّة خلال السنوات الخمس القادمة. التقرير يقول أن "أمازون" ستلجأ لوضع 3,200 قمر صناعي في المدار الأرضي المنخفض LEO، لكن المشروع سيواجه منافسة شرسة خاصّة أن هنالك شركات قد أطلقت أقمارها الصناعيّة فعلا وبدأت بتقديم الخدمة للمشتركين مثلا شركة "ستارلينك" لصاحبها إيلون ماسك، وشركة "OneWeb" البريطانيّة. ويضيف التقرير إلى التحديات التي يواجهها المشروع، التكاليف التشغيلية الكبيرة لبناء شبكة إنترنت فضائيّة واحدة، حيث تبلغ حوالى مليار دولار سنويّا، بافتراض استبدال القمر الصناعي كل خمس سنوات. ولهذا السبب فإن مساعي العاملين في مشروع Kuiper منصبة الآن على خفض التكلفة وتعزيز الكفاءة أملا في تقديم أسعار تنافسيّة عند تقديم الخدمة للمشتركين مستقبلا، حيث يشير التقرير إلى أن مشتركي "ستارلينك" المملوكة لماسك في الولايات المتحدة يدفعون مبلغ 599 دولار لمرّة واحد فقط مقابل معدّات استقبال واشتراكا شهريّا يتراوح بين 90 و120 دولار بحسب الموقع الجغرافي، بينما لم تكشف "أمازون" عن أسعار خدماتها بعد.
  • في موقع "المونيتور"، تقريرٌ عن تأثيرات تطبيقات الذكاء الصناعي، مثل تطبيق ChatGPT، على الموارد المائيّة للبلدان الفقيرة بالمياه مثل بلدان منطقة الخليج. التقرير يشير إلى أن قوّة المعالجة الحاسوبيّة التي تتطلبها نماذج الذكاء الصناعي اللغويّة، تتطلّب في نفس الوقت موارد مائيّة كبيرة لتبريد هذه المعالجات في مراكز البيانات. ويُقدّر التقرير، بناءا على دراسة علميّة أجريت العام الماضي، أن هذه النماذج بحاجة لأن "تشرب" زجاجة مياه بسعة 500 مليمتر بعد إجابته على 20-50 سؤال من قِبل المستخدمين، بينما تتطلّب النماذج الأكثر تطوّرا مثل ChatGPT كميّاتٍ أكبر من المياه، وتحديدا إذا جرى تدريب واستخدام هذه النماذج على مستوى الشركات والمؤسسات، حيث تتطلب عمليّة تدريب نموذج كـ ChatGPT-3 في مراكز البيانات التابعة لشركة "مايكروسوفت" حوالى 700000 لتر من الماء لتبريد المعالجات. ويرى التقرير أنّ هذا المشكلة ستكون أكبر وأكثر تعقيدا في حالة بلدان الخليج مثل السعوديّة والإمارات، والتي تطمح لاستخدام واسع النطاق لتطبيقات الذكاء الصناعي في برامجها التنمويّة في ظلّ شحّ موارد المياه والاعتماد على الوسائل كثيفة استهلاك الطاقة مثل تحلية مياه البحر لتأمين احتياجات السكّان. التقرير يُسلّط الضوء على "مركز البيانات الأخضر" الذي قامت هيئة كهرباء ومياه دبي من خلال ذراعها الرقمي، بإطلاقه في شباط فبراير الماضي، والذي يعدّ أكبر مركز بيانات في العالم يعتمد على الطاقة الشمسيّة للحصول على الكهرباء. وللاستزادة، هُنا الدراسة العلميّة التي أعدّها باحثون في جامعة "تكساس أرلنجتون" وجامعة "كاليفورنيا ريفرسايد" عن "البصمة المائيّة" السريّة لنماذج الذكاء الصناعي.
  • في "معهد واشنطن"، تحليلٌ لديفيد شينكر، يناقش فيه محاولات الأردن الموازنة بين كونه بلدا مشاركا في مبادرة "الحزام والطريق" الصينيّة وسعيه للحصول على الاستثمارات من البلد الآسيوي، والمحافظة على العلاقة المتميّزة بواشنطن. شينكر يُشير إلى أن شركتين من شركات الاتصالات في الأردن اختارتا التعاقد مع شركتي "نوكيا" و"إريكسون" من أجل نشر شبكات الجيل الخامس في المملكة، واستبعدتا شركة "هواوي" الصينية، رغم أنّ الأخيرة هي التي قدّمت الشبكة الأساسيّة لخدمات الجيل الثاني والثالث والرابع. يعتقد شينكر أن دوافع الأردن لتقييد عمل "هواوي" ليس مرتبطة فحسب بالضغوط الأمريكيّة، بل وأيضا فإنه يعدّ إشارة على رغبة عمّان في استبعاد مخاطر الوقوع في فخّ الديون الصينيّة. يسلّط شينكر الضوء على الاستثمار الصيني الكبير في "مشروع العطارات" لاستخراج الطاقة من الصخر الزيتي، ويرصد كيف كانت شروط تمويل هذا المشروع مجحفة وقاسية، وكيف دفعت عمّان في النهاية للجوء إلى التحكيم الدولي لمراجعة "الظلم الجسيم" في اتفاقية شراء الطاقة. شينكر يرى أن الولايات المتحدة لا يجب أن ترغم أصدقائها على الاختيار ما بينها وبين الصين في هذا الصدد، لأن بلدان المنطقة بحاجة للاستثمار الأجنبي الذي يوفر فرص العمل ويخلق جوا من الاستقرار. لكن واشنطن، طبقا له، مُطالبة بأن تضع خطوطا حمراء تقوم من خلالها بـ "فلترة" الاستثمارات الصينية على أساس أهميتها أو تأثيرها على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

ثقافة وفنون ومجتمع: 

  • في مجلّة "النيويوركر" الأمريكيّة، مقال ممتع ومهم عن تاريخ البيانات (الداتا) وتحليلها، وعن أوهام الإنسان بإمكانيّة تلخيص المعرفة الإنسانية والنفاذ إليها من خلال مجموعة من اللوغاريتمات عالية التدريب والأجهزة الحاسوبيّة ذات قدرات المعالجة الفائقة. المقال دعوة مفتوحة لإعادة الاعتبار للسعي للمعرفة المفتوحة غير الاختزاليّة التي تغرف من معين الأساطير والحقائق والأرقام وليس من الداتا فحسب.
  • في موقع "حبر"، ملف مميّز ومهم بعنوان "تلبيس طواقي: عن العيش بديون لا تنتهي" يتألف من ثلاثة مواد، تعالج عمليات الإقتراض والإقراض التي تجري في الظلال بعيدا عن النظام البنكي والمالي الرسمي وتستقصي عن أسباب صعود سوق التمويل غير الرسمي وعن آثاره الصعبة على الطبقات الفقيرة والمهمّشة. رغم أن الملف يُعالج هذه القضايا في السياق الأردني، إلا تشخيصه واستخلاصاته تنطبق على غالبية البلدان العربيّة التي تعيش قطاعات عريضة من السكان فيها في حلقة الديون المفرغة.


(Visited 239 times, 1 visits today)